Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/04/2008 G Issue 12992
الخميس 18 ربيع الثاني 1429   العدد  12992
الواسطة وتأثيرها على أداء القطاع العام
د. عبدالله بن سعد العبيد

كنت قد تحدثت كثيراً عن أسباب ضعف أداء القطاع العام لدينا بالمملكة العربية السعودية خصوصاً في تلك المؤسسات الحكومية الخدمية والتي لها مساس مباشر بالمواطن والتي يناط بها أن تقوم على خدمة المواطن وإنهاء حاجته بأسرع وأسهل الطرق.

وهو مما لا شك فيه حق مشروع لكل مواطن وواجب ديني ووطني لمقدم الخدمة، فقد تطرقت للأسلوب الذي ينتهجه موظف القطاع العام في التعامل مع المواطن صاحب الحاجة والطريقة غير المسؤولة التي يتم تعامله مع معاملة المواطن وتعاطيه معه بها. ولا أرى حاجة لإعادة ما قلته سابقاً فقد اختصرته فيما تقدم من خلال هذه المقدمة البسيطة، لكن دعوني أتحدث اليوم عن داء ومرض وشر ابتلينا به ربما نتيجة ازدياد عدد السكان وبالتالي أعداد طالبي الخدمات في مقابل استمرار أعداد مزودي الخدمة واستمرار نهج جل المؤسسات الحكومية بالنظر بدونية وقصور للناحية التدريبية الكفيلة برفع أداء الموظف ولأسباب أخرى كثيرة ربما نأتي على ذكرها في هذا المقال.

لكن دعونا بدايةً أن نشخص هذا المرض ونلقي الضوء عليه بشكل مكثف، لقد قرأت منذ سنوات لمعالي الدكتور خالد الخلف المسؤول السابق لهيئة المواصفات والمقاييس السعودية في إحدى مقابلاته لأحد الصحف أو المجلات وفي إجابته عن سؤال صريح وجهه له الصحفي عن رأيه في الوساطات وأجاب معاليه بأنه لا يرى إشكالاً في ذلك، ثم استدرك بقوله إن لم تضر أحداً!. وأنا أسأل: لماذا إذاً تصبح واسطة إن لم يكن فيها أو منها ضرر على الآخرين ولماذا لجأ صاحبها أو مستخدمها لها طالما له الحق في الحصول على ما يطلب دون طلبه تجاوزاً معيناً لنظام ما؟

الواقع يقول إن الواسطة داء ومرض لا شفاء منه متى ما اعتاد عليه مستخدمه ومتى ما قدمه له من لديه السلطة وهو الذي سيحتاج الأول يوماً ما وسيقوم الثاني برد الجميل من خلال تقديمه واسطة أخرى للأول وهكذا يستشري الداء ليفتك بالمجتمع ويضرب بالأنظمة عرض الحائط، إنه داء يقتل روح الإنتاج في الفرد ويحبط آمال الكثير في البحث عن الذات، ويهضم الحقوق، ولا يقدر المجهود، يبعث الألم والحسرة في النفوس.

لا ننكر أن الواسطة منتشرة في كل مكان، وهي تخدم البعض بل القلة وتضيع حقوق البعض الآخر بل الكثرة وهنا تكمن المشكلة، ولكن أين هي هذه الحقوق؟ وما دام الإنسان يلجأ للواسطة فإن ذلك يعني وجود عقبات أمامه، الأمر الذي يضطره لأن يبحث عن الواسطة. ولعلي لا أبالغ إن قلت إن أول تلك العقبات غياب الموظف الذي لا يقدم هكذا خدمة على حساب شخص آخر.

لا شك أنني مؤمن أن الواسطة تغيب حقا عن صاحبه وتسلبه إياه وتعطيه لمن لا يستحقه وأؤكد لمن لا يستحقه، فما الحكمة من بحث الشخص عن واسطة وهو من استوفى جميع شروط وواجبات الحصول على الخدمة المطلوبة؟ لماذا يلجأ للواسطة إن كان وضعه طبيعيا وسليما؟ وإن لم يكن كذلك فلا سبيل له إلا الواسطة التي حتماً ستكون على حساب شخص آخر اكتملت أوراقه واستوفى جميع متطلبات تلك الخدمة فيحرم منها والأعذار المقدمة له كثيرة وجاهزة هذا إن كلف الموظف نفسه للاعتذار عن ما أحدثه من خلل في النظام الإداري المستأمن عليه.

لقد أضحى كثيرون ممن لديهم أعمال لدى الجهات الحكومية الخدمية الرسمية عندما يهمون بالذهاب للحصول أو لإنهاء أمر ما يسألون هنا وهناك إن كان ثمة أحد يعرف في تلك المؤسسة موظفاً يستطيع خدمته في إما تجاوز بعض الشروط التي لم يستوفها أو للإسراع في إنهاء معاملته.

هناك من يسأل عن سر تأخر المرور لدينا في معالجة قضايا التجاوزات الأخلاقية والمرورية في شوارعنا، وهناك من يسأل عن سر تخلف وزارة التجارة في إنهاء معاملات التجار وآخرون يسألون عن سبب عدم نجاح مكاتب العمل في ما كلفت به، وهناك من يسأل لماذا لا نلاحظ تقدم الخدمات في إدارات الجوازات بالمملكة (وغيرها كثير) من الأمثلة الشاهدة على تفشي ظاهرة الوساطات برغم حرص القائمين على تلك المصالح من تسيير العمل بشكل سليم ودون تأخير.

لا بد من وقفة جادة لهذا الموضوع يتم من خلالها محاسبة كل متسبب في تقديم تلك الواسطات وعندها ستجدون كيف أن الأمور ستسير بشكلها الطبيعي دونما تأخير وأن الجميع متساوون والكل يحصل على ما يريد دون تجاوزات.



dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد