Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/04/2008 G Issue 12992
الخميس 18 ربيع الثاني 1429   العدد  12992
إنه عمرو بن العاص يا عكاشة
د. سعد بن عبدالعزيز الراشد

يبدو أننا دخلنا مرحلة الانفلات الإعلامي، سلوكاً وأدباً وفكراً وأخلاقاً. قنوات تبث غثاء وغوغائية، وإذاعات تردح بسقط الكلام، ومجلات جميلة المنظر فاسدة المخبر. حاولنا قبل سنوات معدودة،

منع كل شيء جديد في البث الفضائي، وفي قبول تقنيات التواصل العصرية، أملا في المحافظة على المبادئ والأخلاق والقيم، وفجأة فتحت الأبواب على مصاريعها فانبجست منها ينابيع الفساد والإفساد، والحقد والكراهية على أخلاقيات ومبادئ الدين والثقافة الأصيلة. وللأسف أننا لم ننتبه أو فلنقل، بملء الفم، أهملنا في وضع إطار وآلية موزونة للتعامل مع مستجدات العصر بعقلانية وحكمة، ولم نهيئ المجتمع للتغيرات المتوقعة، وذهبت اجتهادات مسؤولي الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي أدراج الرياح، فلم تعد التلفزيونات الحكومية قادرة على ملء الفراغ، خلافاً أنها لا تستطيع المنافسة مع القنوات الفضائية التي تدار بأموال سعودية وعربية أو يمولها وسطاء، وجهات منها المعروف ومنها المجهول. ولا أعتقد أن أحدا من العقلاء ينكر أهمية الإعلام في توصيل المنتج الفكري عبر بوابة عالم المسرح، والسينما، ومن خلال برامج الحوارات الفكرية والمؤتمرات والندوات المتخصصة، ولا أعتقد أن أحدا من العقلاء ينكر أهمية الدور الطليعي لشباب الأمة، ولا أحد من العقلاء ينكر أهمية الدور الذي تؤديه المرأة العربية لتشارك الرجل مسؤولية خدمة المجتمع والأمة، ولكن مع الأسف ضاعت الطاسة، وأصبح من كنا نعتقد أنهم أصحاب فكر وتنوير، يأخذون من الموروث العلمي والثقافي والتاريخي العريق، ما يساعدهم للرفع من مكانة العرب والمسلمين في الماضي والحاضر، ولكن للأسف نجدهم على النقيض، فقد أصبحوا وسيلة هدم، هدفهم البحث عن المجد والشهرة على حساب الدين والإرث الحضاري لأمتنا، فبلغ بهم حد الإسفاف في التطاول على رموز الإسلام وبناة حضارة العرب والمسلمين.

فهذا أسامة أنور عكاشة، يقدح عامدا متعمدا في الصحابي الجليل عمرو بن العاص فاتح مصر وواليها من عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وحتى وفاته على أرض مصر في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان. بالله كيف يجرؤ هذا الذي يزعم أنه كاتب ومفكر أن يصف (عمرو بن العاص) أنه (أحقر شخصية في الإسلام) وأنه (أفاق)!!

يا عكاشة لست أنت الملوم ولكن اللوم يقع على من منحك مساحة للبروز عبر القنوات الفضائية لتنفث هذا الهراء على الملأ ولا تجد من يردعك معتقدا أن مبدأ حرية الرأي سيحميك، واللوم يقع على المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة، في دول الخليج على وجه التحديد، التي تتنافس على شراء المسلسلات التي تتضمن إساءة وتشويها لتراث العرب والمسلمين والحط من الرموز التاريخية. وللأسف هناك من أمثال (عكاشة) من تطاول كذلك على أبناء وطننا (السعوديين) بوصفهم أنهم (عنصريون متنطعون يقتاتون على الثقة الصحراوية) كما أنه ويا للأسف تطل علينا القنوات الفضائية بوجوه رجالية ونسائية، جعلوا من أنفسهم حماة للمرأة العربية المسلمة، تحت مسمى الحرية والحقوق، ومنهم من جعل من دول الخليج منبع تصدير الفكر الوهابي. فقد وصفوا من عاش وعمل في دول الخليج، أنهم عادوا إلى بلدانهم وخاصة إخوتنا المصريين، وهم يحملون الفكر الوهابي المتطرف، والنساء يرتدين الحجاب. من المؤسف حقا أن تكون الحشمة والستر، لنساء المسلمين يعد منقصة وتطرف عند أولئك المحللين المتفلسفين، بينما التخلي عن القيم بالنسبة للمرأة العربية المسلمة فلا يحرك عندهم ساكناً.

إذا كان بعض من يعتقدون أنهم أصحاب فكر وتنوير من أبناء أمتنا العربية والإسلامية، هم من يحمل لواء الحط من قدر الرموز التاريخية في تاريخنا العربي والإسلامي، فماذا تقول عن المتطرفين في بلاد الغرب الذين نالوا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن ديننا الإسلامي وتراثنا المجيد.

إني أضم صوتي لمن سبقني بالحديث في هذا الموضوع وأخص بالذكر الأستاذ حمد القاضي والأستاذ أحمد عسيري وغيرهم من العلماء والأدباء والمفكرين، لأناشد مسؤولي التلفزيونات الخليجية الحكومية والخاصة، بأن يقفوا بحزم بعدم السماح ببث أي مسلسلات أو أعمال توصف بأنها تاريخية أو أدبية فيها مساس بتاريخ العرب والمسلمين ورموزهم من الصحابة والتابعين والقادة والعلماء.

أقول لعكاشة (ولغيره) إنك وإن أسأت للصحابي (عمرو بن العاص) فأنت أسأت للمسلمين عامة وأسأت لمصر خاصة. مصر أرض الكنانة، حاضنة الإسلام وتراثه وحضارته. كيف يغيب عن ذهنك أن (مصر) و(عمرو بن العاص) توأمان؟ عمرو بن العاص الذي قاد جيوش المسلمين وفيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى فتح مصر، لو سألت (يا عكاشة) جبل المقطم وعين شمس والنيل والإسكندرية والفسطاط لأجابوك!! إنه عمرو بن العاص الذي تشهد له الحبشة وعام خيبر، وذات السلاسل وعمان والشام. إنه عمرو بن العاص الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (عمرو بن العاص من صالحي قريش) وقال عنه (صلى الله عليه وسلم) أسلم الناس وآمن عمرو.

ألم تقرأ يا عكاشة ما قاله ذلك الصحابي الذي وصف عمرو بقوله: صحبت عمرو بن العاص فما رأيت أنصع رأيا ولا أكرم جليسا ولا أشبه سريرته بعلانيته منه). ألم تقرأ يا عكاشة أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان: (إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه قال خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد) ألم تعرف يا عكاشة أن دهاة العرب أربعة: أحدهم عمرو بن العاص، وقد وصف أنه رجل المعضلات. إنه عمرو بن العاص (يا عكاشة)، أحد أبطال قريش، ذو الرأي والدهاء والحزم والكفاءة، وهو من أشراف ملوك العرب ومن أعيان المهاجرين، رجل المناقب والفضائل في الجاهلية والإسلام. إنه عمرو بن العاص الذي امتثل بوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم (استوصوا بأهل مصر خيراً).

إنني أنادي بوقفة حازمة وحاسمة، في التعامل مع كل من يسيء لرموز الإسلام من الصحابة والقادة، وعلى ملاك ومسؤولي القنوات الفضائية، في دول الخليج، وضع آلية سريعة في اختيار المسلسلات والبرامج المفيدة، وعدم التزام الصمت تجاه الذين لا يحترمون تاريخ أمتنا وحضارتها وهذا ما نأمله إن شاء الله.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد