Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/04/2008 G Issue 12992
الخميس 18 ربيع الثاني 1429   العدد  12992
للرسم.. معنى
(ارسموا التراث.. وانتو ساكتين)
محمد المنيف

يدخل معلم التربية الفنية بهيبته إلى الصف الذي يضم ثلة من التلامذة الصغار، يأمر أحدهم بالاعتدال في جلسته ثم يبدأ الدرس مشيراً للدرس قائلاً.. (موضوعنا اليوم يا شطار عن التراث) بعد أن أحكم القبضة على كل من في الفصل بعبارته المعتادة (ارسموا وانتو ساكتين)، ثم يتجه إلى مقعده في الزاوية المقابلة للباب ليطلق لهواجسه العنان تارة مع الأسهم وأخرى حول كيفية قضاء نهاية الأسبوع مع ما يتخللها من قضايا يجترها في وقت الاسترخاء بعد أن قطع دابر كل ما يمكن أن يعكر صفوه، ورغم كل تلك التدابير إلا أن أحد التلامذة (البثرين) كما يسميهم يقطع حبل أفكاره بسؤال (وشو التراث يا أستاذ) فيرد الأستاذ بهدوء دون أن يكلف نفسه بالنظر إلى صاحب السؤال قائلاً (بيوت قديمه وزخارف يا شاطر) ثم يعود لأحلام اليقظة.

هذا هو واقع الكثير من المعلمين الذين تخصصوا في مادة التربية الفنية لسهولتها واعتبارها أقصر الطرق للوظيفة، متناسين ما عليهم من واجب تجاه الارتقاء بالذائقة وتثقيف المجتمع ابتداء من الناشئة، بكيفية النظر للحياة بمنظار جميل ينعكس على السلوك الذي بدوره يشكل النمط الراقي في التعامل مع الآخرين ومع كل ما يحيط بنا، ولكم أن تسالوا أي طالب في المرحلتين المتوسطة والابتدائية عن ما يتلقاه من معلمي التربية الفنية وكيف يتم توجيههم في المادة ابتداء من أسس العمل الفني أياً كان رسم أو تشكيل خامات مرورا بما يهدف إليه الموضوع وصولاً إلى النتائج المادية التي تظهر من خلال العمل المنجز، أو الحسية مما علق في ذهن الطالب من الموضوع وتم زرعه في وجدانه من خلال هذه المادة، كما أن اعتقاد بعض المعلمين أن دورهم هو تعليم المهارات فقط، خطأ فادح يذكرني بمقولة للناقد العالمي توماس منرو أن اقتصار تعليم التلاميذ على مجموعة من المهارات الميكانيكية ستجعلهم يكتشفون عاجلاً أنهم متخلفون عن مسايرة ركب العالم المتغير.

وهذا ما نراه في نتاج واقع سنوات طويلة من تعليم هذه المادة دون اكتشاف مواقع الخلل فيها أدت إلى تخلف مفهوم المجتمع لها وخلوه من تأثيرها عكس ما يحمله أفراد المجتمع لمعارف ومعلومات من بقية المواد الأخرى مع أن التربية الفنية مادة مهمة ومؤثرة وداعمة لبقية المواد.

نعود لبداية الموضع وهو كيفية التعامل معه وجعلنا (التراث نموذجاً) لأهميته ومع ذلك لا يتعدى دور المعلم أكثر من إعلان الفكرة دون أي جهد في التعريف به وإبقائه في حدود الزخرفة وبيوت الطين مع أن التراث المرئي والمسموع لا تستوعبه كتب أو مكتبات، في حال كلف المعلم نفسه شيء من الجهد واستعراض مختلف أوجه التراث من مشاهد بصرية في ما تزخر به مواقع الآثار أو حينما يستخلص فكرة من تاريخ الوطن وإبداعات أدبائه وشعرائه.

MONIF@HOT MAIL.COM



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد