Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/04/2008 G Issue 12992
الخميس 18 ربيع الثاني 1429   العدد  12992
إضاءات نفسية (الحلقة الثامنة)
التفكير الإيجابي
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

قرأت لك عبارة (التفكير الإيجابي) أكثر من مرة فما هو المقصود بالتفكير الإيجابي؟

- أوضحت إحدى الاستطلاعات المهمة مؤخراً أن أكثر من 80% من أحاديث النفس عند مجموعة كبيرة من المتطوعين تندرج تحت إطار التفكير السلبي؛ بمعنى أن الشخص عادة يشعر بأنه ربما لا يكون قادراً على إنجاز مهمات معينة ويتوقّع حصول الحدث السيئ قبل الجيد (أي يغلب عليه التفكير التشاؤمي) ولذلك فإن المبادرة لديهم تكون في الغالب غير واردة، وهو الأمر الذي يمكن قياسه أيضاً على المجتمع.. وفي المقابل فإن إحدى أهم الصفات المشتركة عند فئة الناجحين في مختلف مجالات الحياة هو امتلاكهم لصفة التفاؤل الدائم والتفكير الإيجابي تجاه أنفسهم وقدراتهم والمجتمع بشكل عام..

وسأورد هنا ثلاثة نماذج مختلفة لعلها تسهم في إيضاح هذا المفهوم المهم وبالتالي تحقيق فهم أعمق لمدى قوة التفكير الإيجابي وما يمكن أن يحققه:

أولاً: في الجانب الديني الروحاني يعتبر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله نموذجاً رائعاً لقوة التفكير الإيجابي المدعوم بإيمان ويقين راسخ ويتجلَّى ذلك في عبارته الشهيرة التي ذكرها عندما تصدى كالجبل لفتنة عظمى كاد أن يقع فيها الملايين من بعده، تلك هي فتنة خلق القرآن.. وحينها قال - رحمه الله - عبارة تشع كل كلمة فيها بالإيجابية واليقين الراسخ: (سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة.. ماذا يصنع بي أعدائي.. جنتي في قلبي).

ثانياً: في الجانب العلمي استطاع أديسون أن يسجّل اسمه في صفحات التاريخ كمخترع للمصباح الكهربائي بعد أكثر من مائة محاولة لم يكتب لها النجاح، وعندما قال له أحد الصحفيين محاولاً استفزازه: لقد فشلت أكثر من مائة مرة في اختراعك، أجاب بثقة: أخطأت يا بني أنا لم أفشل، بل نجحت في اكتشاف أكثر من مائة طريقة لا تؤدي إلى الحل الصحيح هي التي قادتني في النهاية للوصول إلى اختراع عظيم.

ثالثاً: في الجانب الرياضي كان هناك اعتقاد راسخ عند الجميع أن الإنسان مهما امتلك من قدرات بدنية لا يمكن أن يقطع مسافة ميل خلال 4 دقائق فقط حتى جاء رياضي اسمه (روجر بانستير) ورفض التسليم بهذه القناعة واستطاع قطع هذه المسافة في المدة المذكورة، وقد يقول قائل إن هذا الرجل كان يملك قدرات بدنية استثنائية لكن المدهش أن مئات العدائين استطاعوا قطع هذه المسافة بعد ذلك، بل أصبح قطعها أمراً اعتيادياً مع التدريب الجيد بعد أن كانت تعتبر قبل ذلك معجزة مما يؤكد أن الحاجز هنا لم يكن حاجزاً بدنياً حقيقياً، بل كان حاجزاً ذهنياً كسرته قوة التفكير الإيجابي لرجل واحد فقط، وهو في الحقيقة كان رجلاً استثنائياً بتفكيره لا بقوته البدنية.

صعوبات التركيز

* أنا يا دكتور أعاني من ضعف التركيز وقد استخدمت أدوية كثيرة جداً منها السيبرام والريفوتريل والسيروكسات وكذلك السيروكويل وغيرها.. ومع ذلك لم ألاحظ تحسناً.. هل هناك ولو بصيص أمل في العلاج؟

- أخي الكريم ضعف التركيز من الأعراض غير المحددة.. وأعني بذلك أن الأسباب المؤدية له كثيرة جداً منها ما هو عضوي ومنها ما هو نفسي.. أنصحك في البداية بزيارة أحد أطباء الرعاية الأولية، حيث يقوم بإجراء الفحص الأساسي لك بما يشمله من فحوصات أولية في المختبر للاطمئنان على صحتك من الناحية العضوية وبعد ذلك يمكنك زيارة أحد الأطباء النفسيين لتحديد ما إذا كنت تعاني من أحد الاضطرابات النفسية التي قد تؤثِّر على التركيز وهي كثيرة ولعل من أشهرها اضطرابات القلق بأنواعها المختلفة والاكتئاب.. تمنياتي لك بالصحة والعافية.

الأسهم والضغط النفسي

* هل لمتابعة مؤشر الأسهم وما يحدث فيه من تقلبات وانهيارات دور في زيادة الحالات النفسية؟

- لا شك أن الشخص الذي يتابع مؤشر الأسهم وهو دائماً في وضع تحفز كامل وقلق من فوات أي فرص إيجابية أو حصول انهيارات مفاجئة فهو في الحقيقة واقع بشكل متواصل وباختياره الشخصي تحت ما يسمى بالضغط النفسي (stress) والإشكالية هنا أن هرمون الكورتيزون ويطلق عليه أيضاً اسم (stress hormone ) يكون بهذه الحالة في مستويات مرتفعة بشكل متواصل مما يؤدي إلى انخفاض المناعة لدى الإنسان ويجعله عرضة للإصابة بالأمراض المختلفة سواءً العضوية أو النفسية.. ونصيحتي هنا كمتخصص هي أنه لا بأس من متابعة بورصة الأسهم ولكن بتوازن وتعقّل مع الوعي الذاتي بحاجة كل منا إلى وقت للراحة والاسترخاء والابتعاد من فترة لأخرى عن ضغوط التفكير في المستقبل المادي بقدر الإمكان، ولعل ممارسة الرياضة بانتظام هي إحدى الوسائل الذهبية لمواجهة الضغوط النفسية أياً كان مصدرها.

إضاءة: غير تفكيرك.. تتغيَّر مشاعرك.

دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض


E-mail: Mohd829@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد