Al Jazirah NewsPaper Friday  25/04/2008 G Issue 12993
الجمعة 19 ربيع الثاني 1429   العدد  12993
نوازع
الزراعة اليوم
محمد بن عبد الرحمن البشر

ما كنت أحسبني سأعود للكتابة عن الزراعة بعد أن حالت الدبلوماسية بيني وبينها، ومال قلمي إلى الكتابة عن الأدب، وتربع تاريخ الأندلس ومباهجها ومآسيها على سويداء قلبي، فأصبحت أبحث عن كل شاردة وواردة حول هذا الفردوس المفقود.

عدت إلى الحديث عن الزراعة بعد أن أصبح واقع الحال يضرب ناقوس شيء ما ربما يكون أو لا يكون فيما يتعلق بكمية المعروض من السلع الزراعية الأساسية، وارتفاع الأسعار المصاحبة لقلة المعروض أو ربما ارتفاع مدخلات الإنتاج أو بهما معاً.

أعرف أنني أكتب كلاماً علمياً جافاً بعد أن اعتاد القراء على حديث عن ولادة، وابن زيدون، والمعتمد بن عباد، وابن حزم، وزرياب وغيرهم، لكن أطلت الزراعة من النافذة فأبت إلا أن ننظر إليها بعد هجرٍ طويل وجميل.

فهناك أمران مهمان لكل صاحب قرار وهو الإستراتيجية، والسياسة القادرة على تحقيق تلك الإستراتيجية، وفي الغالب فإن الإستراتيجيات لا تتبدل إلا عند حدث كبير، أما السياسات فيمكنها التغير بتغير الأحوال والظروف، وهي فنّ الممكن، ولهذا فبقدر الممكن تكون السياسة، والممكن ليس ثابتاً وإنما هو كثير التغيير والتقلب.

كان من الممكن الحصول على القمح والأزر والشعير والزيتون من الأسواق العالمية بأسعار معقولة ويمكننا أن نقول زهيدة بأسعار اليوم، أصبح الممكن في الماضي غير ممكن في الحاضر وهنا يُطرح سؤالان، هل من المتوقع - وأقول المتوقع فليس هناك يقين في المجال الزراعي - أن تبقى الأسعار على ما هي عليه اليوم؟ ولماذا؟، والسؤال الثاني، هل من الممكن الحصول على الكمية المطلوبة من القمح والشعير والأرز والزيت بغض النظر عن السعر؟ إذا كان غير ممكن، فلماذا؟

إن الإستراتيجية، هي توفير كمية تسد الحاجة من هذه السلع الزراعية الأساسية، لكن السؤال كيف؟ وما هو سعر الشراء العالمي؟ وهل سيكون السعر المحلي مماثلاً للسعر العالمي؟ أم أن السياسة الزراعية والاستهلاكية تقتضي غير ذلك؟ أسئلة يمكن لمتخذ القرار الإجابة عليها بما يراه مناسباً، أما نحن الكتاب فإننا نكتب لملء هذه الصفحات مع يقيني أن القائمين على القطاع أجدر كفاءة وأكثر معرفة، وأقرب إلى واقع الحال.

هل يا ترى استخدام المحاصيل لإنتاج الطاقة سبب رئيس في الكمية المعروضة؟ وهل يا ترى الظروف المناخية الطارئة لهذا العام سبب رئيسي؟ وهل طرأت زيادة في الاستهلاك العالمي الآدمي للمحاصيل؟ وهل تم استبدال المحاصيل مثل القمح والشعير والأرز بمحاصيل أو زراعات أخرى؟ أسئلة تستحق الطرح والإجابة وعلى ضوئها يتم اتخاذ القرار.

إن كان ارتفاع الأسعار عائداً لنقص في المعروض نتيجة لظروف مناخية طارئة فالأمر سهل جداً، ويمكن تحمله، وليس هناك من داع لتغيير في السياسة الإستراتيجية أو الإنتاجية، لكن إذا كان ذلك الارتفاع ناتجاً من عوامل أخرى، كما ذكر آنفاً فالأمر يتطلب مراجعة دقيقة للإنتاج المحلي وأساليب الاستيراد وربما الاستثمار الخارجي في مناطق يتحملها إنتاج تلك المحاصيل ومن خلال القطاع الخاص وضمان توريد الكميات عبر اتفاقيات ثنائية بين الدول.

لو كان نقص المعروض عائداً إلى عوامل غير مناخية آنية، فإن متخذ القرار في المملكة سيبقى حائراً بين مواصلة الإنتاج الحالي في ظروف مائية معروفة لدى الجميع، أو البحث عن بدائل تحقق الإستراتيجية.

إن المزارع اليوم ينتج قمحاً بسعر ألف ريال للطن، بينما السعر العالمي يصل إلى ما يزيد عن ألف وخمسمائة ريال، ولذا فمن مصلحة الدولة اقتصادياً مواصلته للزراعة، وربما تكون المصلحة الإستراتيجية حاضرة أيضاً لتوفير الغذاء كهدف آخر، غير أن كمية الماء والمحافظة عليه تبقى أسيرة فن الممكن.

إنها معادلات صعبة تستحق الكتابة والدراسة، والتغيير السريع في السياسات طبقاً للتغير في الظروف، إن القائمين على القطاع الزراعي يدركون أكثر مما ندرك، لكن القلم أبى إلا أن يسطر شيئاً بعدما كثر الحديث عن المعروض والمطلوب من السلع وتحديد أسعارها؟

لقد أخذت دول قرارات بعدم تصدير بعض محاصيلها مثل مصر، والهند، وعلينا أن نقف بعين البصير على آثار تلك السياسات على متطلبات المستهلك السعودي، ومدى توفر السلع بكميات كافية. وإذا قل المعروض العالمي من الأرز، هل سيعود السعوديون إلى أكل المرقوق والجريش والقرصان الذي يكون القمح مادة أساسية فيه، وهو ما يمكن إنتاجه محلياً؟



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6227 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد