Al Jazirah NewsPaper Friday  25/04/2008 G Issue 12993
الجمعة 19 ربيع الثاني 1429   العدد  12993
سعودة الفضاء في زمن العولمة
علي هلهول الرويلي

إن العولمة هي نموذج لقرية كونية تربط بين الناس والأماكن، ملغية المسافات ومذيبة للحدود، ومقدمة للمعارف بدون قيود، وفاتحة للفضاء الخارجي أمام تواصل الإنسان، وذلك بفضل تطويره الآليات التي مكنته من ذلك حتى أطلق على هذا العصر عدة مسميات تعكس ما تميز به كعصر الاتصالات الحديثة كالهواتف المحمولة والإنترنت وعصر الفضاء والأقمار الصناعية وصناعة الإعلام والسينما. وأمام هذا التحدي الصناعي التقني العالمي أصبحت كل أمة تخشى على حضارتها الإنسانية أو موروثها الثقافي من الاختراق أو التشويه أو الاضمحلال أمام ما يغزوها من فكر وثقافة جديدة تهدد بضياع الهوية القومية أو الخصوصية الثقافية لهذه الأمم من خلال ما يبث من برامج تلفزيونية عبر محطات فضائية عالمية تصعب الرقابة عليها في ظل تنامي بنوك المعلومات واتساع تداولها وتصنيفها وتخزينها وتسويقها، مما جعل البعض يؤمن بوجود صراع ثقافي لإيجاد عولمة ثقافية لا تقف عند حدود وليس لها سقف وأن من يمتلكها يمتلك ناصية العالم ويصبح من القوى الفاعلة فيه.

ولهذا ندرك السبب في إطلاق أكثر من (5000) محطة تلفزيونية فضائية عالمية تخترق فضاء الدول دون أن تستطيع حجبها أو السيطرة عليها ويمتلك الغرب وحده (70%) من تلك الفضائيات، عندها لك أن تتخيل ما تستطيع أن تؤثر به تلك القنوات في أنماط سلوك وأسلوب حياة وطرق تفكير للمجتمعات الأكثر تحفظاً.

إن العولمة الثقافية أصبحت لها حدود وأهداف وطنية تسعى كل دولة إلى تحقيقها والاحتفاظ بها، فمثلاً نجد أن فرنسا منعت شركة ماكدونالدز للوجبات السريعة - وهي أمريكية - أن تفتح لها فرعا ببرج إيفل في وسط العاصمة باريس باعتبار ذلك حضارة وطنية فرنسية لا يجب تدينها بثقافات أخرى حتى لو كان ذلك ثقافة أكل وشرب في الوقت التي تنقل قنواتها الفرنسية الفضائية ثقافتها إلى جميع أرجاء العالم.

كل هذا يشكل تحدياً كبيراً أمام الشعوب في الحفاظ على هويتها والذي لا يمكن الحفاظ عليها بإنتهاج سياسة الدفاع، لأن ذلك لا يجدي شيئاً مع فضاء مفتوح لا يوجد فيه تضاريس توفر الإخفاء والتخفي، لكن الفرصة المتاحة الآن أمام الشعوب هو استخدام خصائص هذا الفضاء قبل أن تحكمه القوانين والشرائع الأممية، وأن تؤسس ركائز إستراتيجية للاستغلال والاستفادة من معطيات الفضاء.

وفي هذا السياق نجد أن المملكة العربية السعودية وهي دولة فاعلة عالمية وتحظى بمكانة رائدة ومرموقة وهي تأخذ على عاتقها مسئولية حمل آخر الرسالات السماوية رسالة الإسلام الخالدة، وإيصالها إلى كافة أرجاء المعمورة عبر ما يوفره الفضاء من خصائص.

فإذا جاز لنا التعبير بأن القنوات الفضائية التلفزيونية التي يمتلكها سعوديون أو تمول بأموال سعودية هي قنوات للمملكة العربية السعودية (سعودية الهوية) والتي يبلغ عددها أكثر من خمسين قناة فضائية (وهي قابلة للزيادة باستمرار) والتي يمكن وصفها بقنوات وطنية في المهجر، وهنا أوجه نداء إلى وزارة الإعلام أن تعمل على إعادة هذه القنوات الفضائية إلى أرضها في إطار استراتيجية إعلامية وطنية وهي سعودة الفضاء في زمن العولمة وذلك من خلال الآتي:

1- إعداد ميثاق شرف إعلامي يلتزم به جميع ملاك وممولي تلك الفضائيات ليشمل أهم المرتكزات التالية:

أ- الحفاظ على الهوية ورموزها الوطنية.

ب- إبراز عقيدة الإسلام الوسطية التي جاءت في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (143) سورة البقرة.

ج- نقل الثقافة السعودية وتقديمها للمتلقي العالمي بشكل واضح ومفهوم وإنها ليست دولة منتجة ومصدرة للبترول فقط.

د- إبراز عادات وتقاليد الشعب السعودي وقبوله للآخر وهو ما يبرر وجود أجانب من جميع دول العالم في المملكة العربية السعودية، وأنه لا يوجد في عاداتنا وتقاليدنا ما نخجل من إبرازه ونشره.

هـ- احترام عادات وثقافات الشعوب.

و- عدم التعرض للأديان والأيديولوجيات العالمية.

ز- نقل ثقافات الأمم والشعوب للمواطن السعودي وإطلاعه عليها في إطار ما يسمح به ديننا وتقاليدنا.

2- إنشاء مدينة إعلامية يديرها القطاع الخاص وتشرف عليها وزارة الإعلام من شأنها احتواء تلك الفضائيات وتطوير صناعة الإعلام من إخراج وإنتاج وإعداد كوادر إعلامية مؤهلة.

3- تشجيع بعض هذه القنوات على أن تبث بلغات عالمية مختلفة وألا تقتصر على اللغة العربية لما في ذلك من خدمة للإسلام وللمملكة العربية السعودية حكومة وشعباً.

باحث إستراتيجي


alihalhool@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد