Al Jazirah NewsPaper Friday  25/04/2008 G Issue 12993
الجمعة 19 ربيع الثاني 1429   العدد  12993
التجديد العقدي عند د. حسن حنفي!! (2-2)
عبدالله بن محمد السعوي

وجود الأنبياء ضرورة عقلية اضطرارية، ونفيها ليس إلا فعلا سفسطائيا نجده يتجلى بوضوح عند الدكتور حسن حنفي؛ حيث يرى أن وجود الأنبياء شأن ليس له كبير فائدة بل هو أمر في غاية السلب؛ لأن العقل البشري كما يرى حنفي لديه قدرة عالية على الاستقلال الذاتي

وهو بحد ذاته قيمة مستقلة يتحتم توسلها، وجود الأنبياء ضرورة عقلية اضطرارية، ونفيها ليس إلا فعلا سفسطائيا نجده يتجلى بوضوح عند الدكتور حسن حنفي؛ حيث يرى أن وجود الأنبياء شأن ليس له كبير فائدة بل هو أمر في غاية السلب؛ لأن العقل البشري كما يرى حنفي لديه قدرة عالية على الاستقلال الذاتي وهو بحد ذاته قيمة مستقلة يتحتم توسلها، والاكتفاء بها عن غيرها للوصول إلى الحقيقة وتجسيد الغايات دون الاعتماد على أي عنصر خارجي كنصوص الوحيين! حيث يقول في كتابه (من العقيدة إلى الثورة): (وهل تجب النبوة لحاجات عملية أي للتنفيذ والتحقيق وأداء الرسالة ما دام الإنسان غير قادر على سن القوانين وتأسيس الشرائع وإقامة الدول أو تجنيد الجماهير وتوجيه الأمم وفتح البلدان، ألا يمكن للعقل قيادة المجتمعات مثل قيادة الإمام لها، هناك أيضا العقل الاجتماعي والعقل السياسي والعقل التاريخي لوضع القوانين وسن الشرائع... إن العقل ليس بحاجة إلى عون وليس هناك ما يند عن العقل).

حنفي يرد فكرة أن الوحي يختلف عن كلام البشر! وقد صوب سهام نقده للعلماء الذين ميزوا بين الوحي الإلهي المقدس وبين كلام البشر ويؤكد حنفي في جرأة مأفونة على أنه (قد تداخل كلام الله وكلام البشر في أصل الوحي في القرآن) قال هذا الكلام في ندوة (الإسلام والحداثة) ونظرا لأن حنفي لم ينطلق من منطلق شرعي، يجعل الأولوية للشرع فإنه يرى أن العقل مستقل عن الوحي بل الوحي ذاته يفتقر إلى العقل! حيث يقول: (الحجج النقلية كلها ظنية حتى ولو تضافرت وأجمعت على شيء أنه حق، لم يثبت أنه كذلك إلا بالعقل) انظر (من العقيدة إلى الثورة) 1-368

يؤكد حنفي أن تجسيد التطور وتحقيق درجة عالية من التقدم يخضع لعدة أشياء من أهمها نفي وجود الخالق عبر فلسفة تقوم على إبعاد الثنائية عن العالم والانسان وزحزحة التصور الذي يرى أن الكون ينقسم إلى خالق ومخلوق يقول حنفي: (إن العالم مقسوم إلى قسمين: الله والعالم فينعكس ذلك حتما في المجتمع، على السلطان على الحاكم والمحكوم وسينعكس في الأسرة على الرجل والمرأة... ما لم نقض على هذا التصور الثنائي للعالم ورؤية العالم بين حاكم ومحكوم وعلى المستوى الديني بين خالق ومخلوق، فلن تستطيع حركات تحرر المرأة أن تفعل شيئا ولن يستطيع المثقف العلماني أن يؤدي دوره ما لم نقض على هذا التصور، هذا السؤال الأول في آليات التغيير) انظر (الإسلام والحداثة) ص387-388

حنفي لديه ازدواجية عجيبة، فهو يحمل المتناقضات، ومتذبذب في أطروحاته، فهو مثلا يبدو متشددا في تبنيه الأبنية المفاهيمية التي ينادي بها التيار المسمى باليسار الإسلامي ولكنه في نفس الوقت يتفق اتفاقا تاما مع النصرانية في كتابه المعنون ب(نماذج من الفلسفة المسيحية) هذا التأرجح المنهجي يتجسد بجلاء في كتابه (الدين والتحرر الثقافي) فهو يظهر من خلاله وكأنه ينطلق من الإسلام، وكأنه يعتبره المصدر التأسيسي الذي يتحتم أن يكون هو الحاكم الأول والأخير لكافة مفردات الحياة ثم ينقلب على وجهه بقدرة قادر إلى الماركسية والوجودية، فيتقاطع مع عمقهما المفاهيمي ويستنفر طاقاته الذهنية للثناء عليهما والدعوة إلى أصولهما المبدئية (انظر مثلا ص238) من (الدين والتحرر الثقافي).

أيضا يشكك في ثبوت القرآن ويستهين بالوحي وصحته وفي الآن ذاته يبذل جهدا لاهثا لإثبات قصة الغرانيق الموضوعة كذبا وزورا!

هذا التذبذب والمراوحة في الرأي نراه جليا في تحقيقه كتاب (المعتمد) لأبي الحسين البصري فهو يبدو عبر هذا الكتاب معتزليا حتى النخاع، ولكنه يستحيل في تعليقه وتقديمه كتابي (الحكومة الإسلامية) و(جهاد النفس) ل(الخميني) إلى أحد الشيعة الاثنى عشرية هذا التردد الإمعي الذي لا يتفق وإملاءات الضبط المنهجي نلاحظه أيضا عندما يتناول التراث فهو يظهر وكأنه سلفي المنهج في يقينيته الجازمة بصوابية الإسلام ولكنه في الوقت ذاته يشكك في الوحي وأنه لا يتضمن الحقيقة ولا ينص على الحق وهذا كله يجري تحت ستار (تاريخية النص) هذا التناقض نراه أيضا في كتابه (من العقيدة إلى الثورة) حيث يزعم أنه ألفه لإعادة بناء علم أصول الدين وفي اللحظة ذاتها يشطح بعيدا عندما يرتطم بمستنقعات الوجودية في (الأنا موجود) ل(سارتر) عندما اهتم بهذا الكتاب وأولاه رعايته، وتساوق مع أفكاره! أيضا حسن حنفي يباشر التكرار الببغائي لفكر (سبينوزا) حينما ترجم كتابه الإلحادي (رسالة في اللاهوت والسياسة) فهو يتناغم معه بعمق، وينسجم إلى أبعد الحدود مع متبنياته الإلحادية! التناقض الازدواجي عند الدكتور حسن حنفي هو الذي دفع بباحث ك(جورج طرابيشي)، إلى تدوين سفر بعنوان (ازدواجية العقل، دراسة تحليلية نفسية لكتابات حسن حنفي) الخضوع لآلية قرائية رغبوية، هي التي حدت بحنفي إلى أن يعتقد أنه ليس ثمة معاني ثابته للنص القرآني بل هو فضاء دلالي وإمكان تأويلي.

إنه نص لا ينص على الحقيقة، ويتعذر الوقوف على المعنى الدلالي له ومعرفة المراد الإلهي منه، لأنه لا وجود لهذا المعنى فالمعنى متغير من عصر إلى عصر! انظر حنفي (قراءة النص ص 15-16 مقال في في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل) الصادرة عن الجامعة الأمريكية في القاهرة.

حنفي يرى أن النص القرآني قد تأنسن وتحول منذ لحظة نزوله الأولى - أي مع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم له - تحول من كونه نصا إلهيا وصار فهما نصا إنسانيا لأنه يتحدث بلغة إنسانية نسبية انظر حنفي (قراءة النص ص11 في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل).

طبعا هو يؤنسن النص بقصد رفع القدسية عنه، وبقصد الترويج لحالة من التمرد على مستلزمات النص الشريف، وهذا لا شك ضرب من التحايل على النص الشرعي وإفراغه من محتواه، إنه منهج شديد الخطورة على سلامة التشريع الإسلامي، ونقض لأصالته، لأنه سيؤول إلى تبديل أحكام الشريعة بما يتناغم مع رؤى وتطلعات العقول البشرية المجبولة على النقص والمحدودية.

يتفرع عن القول بأنسنة النص الاعتقاد الجازم بأنه لا يوجد ثمة معنى نهائي للكيان النصي ومن اعتقد ذلك في تصور حنفي فقد وضع نفسه وصيا على الناس لأنه على حد تعبير حنفي من (السخف الحقيقي الذي نأباه على أنفسنا أن نحدد أخيرا المعنى الحقيقي للقرآن) انظر حنفي (قراءة النص ص17مقال في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل).

إذاً حنفي ينتهك المحظور المنهجي، عندما يدعو إلى فتح فضاء النص أمام متباين المقاربات التأويلية، وعندما يرى أن القرآن مفتوح على جميع الدلالات فالقرآن في تصوره الكليل (يقول كل شيء دون أن يقول شيئا) انظر (التراث والتجديد) ص112 الواقع المتعين في نظر حنفي له الأولوية على كل نص وهو يؤكد أنه (لا سلطان إلا للعقل، ولا سلطة إلا لضرورة الواقع الذي نعيش فيه) انظر (التراث والتجديد) ص45.

إن الحقيقة الحاضرة هنا بجلاء، هو أن حسن حنفي مجدد، ولكنه مجدد للفكر الاعتزالي خصوصا وهو يسلك منهجهم في ترتيب مصادر الشريعة التي يجعلها كالتالي: القياس ثم الإجماع ثم السنة ثم الكتاب فعلى الإنسان حسب رأي حنفي: (أن يجتهد رأيه فإن لم يجد ففي إجماع الأمة حاضرا أو ماضيا فإن لم يجد فعليه بالسنة ثم الكتاب).

حسن حنفي يؤكد أنه يعتني بمنهج المعتزلة، وينفق جهده في تأمله، من أجل تحقيق وعي حضاري حديث ومن أجل التحرر من أسر الإيمان السلفي. انظر(الإسلام والحداثة) ص218.

وفي كتابه (الدين والتحرر الثقافي) يبالغ في ثنائه على المعتزلة والاحتفاء المفرط بكتبهم انظر ص 7-8 إذاً إن استعصم الجابري بابن رشد، وابن خلدون، وطه عبدالرحمن بالغزالي، فإن حسن حنفي اتكأ على التراث العقلي الاعتزالي، فهو برأيه قادر على وضع البنية النظرية الملائمة للتحديات الحضارية الحديثة، وهذا ما حدا به إلى القول مؤكدا على أن المنهج الاعتزالي هو الخيار الذي يجب طرحه بديلا عن الدين: (إن وجداننا المعاصر يعاني من ضياع أخذ زمام المبادرة منه باسم الله مرة، وباسم السلطان مرة أخرى)! وهكذا ينقلب التجديد إلى كلمة حق يراد بها باطل، فهو هنا ليس للبحث عن الحقيقة، وتوظيفها في مسارات إيجابية للصالح العام، وإنما لتقويض البنى العميقة في ثقافة يشكل النص المصدر التأسيسي الأول الذي تحتوي عليه بنيتها الداخلية، وأدبياتها العامة.



Abdalla_2015@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد