Al Jazirah NewsPaper Friday  25/04/2008 G Issue 12993
الجمعة 19 ربيع الثاني 1429   العدد  12993
تفاؤل وتشاؤم
نادر بن سالم الكلباني

ما التفاؤل؟ أيعني أن نكفّ عن التفكير بواقع الأمور وحقائقها، ونرسم لأنفسنا حاضراً أو مستقبلاً من الخيال نرضى به لا يرتبط بالحقائق والوقائع، أو بما تدلّ على قرب حدوثه، من منطلق أنّ الأمور ستحل مشاكلها بنفسها؟ .. أم يعني التفاؤل أن نكذب على أنفسنا ونبتسم عندما يحتوينا الألم ونغدق على أنفسنا الأمنيات، دون أن نعارك بواقعية ما يصادفنا من مشكلات لا تجعل للبسمة فيها مكاناً؟

وما التشاؤم؟ ألا يعني الواقعية، بمعنى القبول بحقائق الأمور التي لا ترضينا والاعتراف بها، والتعامل مع مجرياتها بموضوعية بفهم حجم ما يمكن أن نحدثه بقدرات نفهم حدودها دون تزييف؟ .. وهل يعني التعامل مع معطيات الأمور والحقائق الواضحة التي نعرف عدم قدرتنا على تغييرها استسلاماً وضعفاً، بمعنى أنّ التشاؤم هو أصل الاستسلام والضعف؟ هل التفاؤل مرتبط بالخيال والبُعد عن المنطق والتشاؤم مرتبط بالواقعية؟ أم أنّ الأمور لا يجب التعامل معها بهذا المنظور، وإنّما بحسب ما يملك المرء من إمكانيات يعرفها ويثمِّنها حق ثمنها، فلو سكن في أمر يقدر عليه كان متشائماً، وإن سكن في أمر لا يقدر عليه كان موضوعياً، وإن تعايش مع الواقع واستحضر لحظات للسعادة بعد أن يغطي الألم معظم المساحة التي يعيشها، يكون متفائلاً .. قس على هذا أسئلة تتكرّر دائماً في ذهني بحسب ما أمرُّ به من أحوال متغيّرة، لم أجد لها أجوبة ثابتة، لكني في كلِّ حال أجد جواباً على نفس الحال قد لا يتناسب وحال غيره، ولعلك عزيزي مثلي تحاور عقلك بترديد الأسئلة نفسها علّك تفرِّق بين التشاؤم والتفاؤل والواقعية، وتعرف متى تكون متلبساً بها.

التفاؤل والتشاؤم شعور تتهيأ به النفس للتعايش مع الواقع وتسلسل أحداثه أو لمواجهته، وتصنيفنا له يحدِّده الزمن، فإن تعلَّق الشعور بالحاضر فقط، يكون تشاؤماً لا يمكننا من تغيير الواقع الذي لا يرضينا، وإن تعلَّق بالمستقبل وبالبحث عمّا يمكن عمله، يكون تفاؤلاً يعطينا الحافز على تغيير ما لا يرضينا في واقعنا، فالتفاؤل لا يكون الآن، لكنه قد يكون لأمر سيأتي، مع ضرورة الاعتراف بواقع ما يحدث وفهم حقيقته، والبحث في آلامه، أو فيما لا يرضينا عنه عن مخرج حقيقي، أو فائدة تمكِّننا من أن نضع المسبّبات ليكون المستقبل غير واقع لا يرضينا .. فإذا أتي على غير ما كنا نأمل، فعلينا أن نؤمن بالواقع دون تزييف أو تجميل له، ودون أن نصف أنفسنا بالتشاؤم، ونعاود حركتنا للمستقبل، وإلاّ كان التفاؤل الذي نطلبه غباءً وخيالاً لا يربطنا بواقع يفرض نفسه ولا يُحدث ما يغيِّره .. هكذا أرى .. والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد