Al Jazirah NewsPaper Saturday  26/04/2008 G Issue 12994
السبت 20 ربيع الثاني 1429   العدد  12994
الله الأقوى وبفضلهِ نقوى
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

حيث تقف سيارتي لعطلٍ ما، أكون حينها راغباً في دفعها وتحريكها من موقع توقفها إلى موقع يمكن معه فحصها وإصلاحها، فأستعين بقوة دفع أقوى قادرة على تحريكها للموقع الآخر المعد للفحص والإصلاح، بمعنى أنه لتحريكها لا بد من قوة أقوى منها أو على الأقل قادرة على تحريكها.

والإنسان قوي ويملك من القدرات الشيء الكثير، وقادر على امتلاك المزيد لكنه أمام المجهول، ومع مصائب تحل به كالمرض المستعصي عاجز عن صياغة معادلة تحل مواجع هذه المصائب، أو تشفي مثل هذا المرض حتى وإن استعان بالطب وخبرته، وهنا لا بد من قوة أقوى من الطب والمرض تأخذ بيده إلى الشفاء، ومن قبل إلى السكينة والصبر.

كذلك أمام المجهول لا مخرج من ضيق الإنفاق الذي نجد أنفسنا فيه إلا بالإيمان المطلق بالغيب أياً كانت تفاصيله، وهنا يحل الهدوء وتغيب آلام محاولة استكشافه حتى يأذن العزيز الحكيم بالمعرفة والأسباب التي بها نعرف ونستكشف.

الخلاصة أن الإنسان مهما بلغ من القوة في عقله، أو خبرته أو أي بناء يعتز به فهو ضعيف عاجز أمام الصعب من أقدار الله التي يعجز عنها الجهد البشري وهنا لا بد من الاستعانة بما هو أقوى ثم أقوى، إنها القوة المطلقة القادرة الجبارة الخالقة المدبرة، إنها قوة الخالق العظيم بعزة جلاله ومطلق جماله.

فنحن مع المسير نسير بقدرتنا حيث يحيط بنا عجز في هذه القدرة والوسيلة لإتمام المسير، وتجاوز العجز يكمن في نقطة تأمل تعود بالإنسان إلى محراب الإيمان الأقوى بالله وما قدر، أما المصير فلا شيء بأيدينا إلا ما استودع المسير لخير المصير، ومع ذلك فإن المشيئة للخالق، خالق المسير والمصير قادر بالمغفرة والرحمة أن يتجاوز عن الأخطاء وحال المصير.

وهنا قد يسأل أحدنا، أَليس الإنسان مولوداً على الفطرة؟

بلى، إنه كذلك. وقد تناول هذا المفكر المسلم العربي الفيلسوف (ابن طفيل) في قصته المشهورة (حي بن يقظان)، كما أن الإنسان قد هداه ربه طريق النجدين، وقد يأخذ البعض بتفسير المادة وما تمليه بعيداً عن الحس الروحي وإشباعه حيث لا يؤمن بغير الطبيعة كقوة خالقه وخلاقة فاعله على طريق الحياة معتقداً أن هذا سيمده وفق هذا الاعتقاد بما يريح فكره ونفسه.

والإنسان ليعيش حياته وفق سنن الله وقوانين الحياة يكون في حاجة إلى الحس المشترك المتمثل في المزيج من المعطيات المادية التي يسندها الإشباع الروحي وفق ما يملأ النفس ويوجه الحركة، كما أنه وسيلة يتعامل بها الإنسان مع ضعفه وعجزه عن استكشاف المجهول فهو في دائرة الغيب، ولا مناص من الإيمان حتى تستقر نفسه ويصفو منه العقل فتنعم الصحة بالمزيد كما يتمنى إلا أن يشاء الله امتحاناً في ذلك.

وإذا كنا لا نستطيع أن ننفي سنن الله وقوانينه التي تنظم الحياة وتنظم علاقتنا بها وعلاقتها بنا، وبالذات وظائف الحياة الأساسية فلا معنى لأي توجه يعتمد على معانٍ تفسرها المادة بمعزل عن الحس الروحي ومعطياته، فيتمخض عن هذا المزيج المشترك اعتماد على تلك القوة المطلقة حيث الإيمان بالله خالقاً قادراً جباراً يرحم ويغفر ويعاقب، أما المصير بكل تفاصيله فلنا معه أمنية أن نسكن الجنة والبعد عن جهنم وعذابها، لكن من يعتمد على تفسير المادة لشؤون وجوده وحياته، وعلى مشهد الطبيعة وعلاقتها بالإنسان وجوداً ومسيراً ومصيراً، لا بد أن يسأل من أوجد الطبيعة؟ من خالقها؟ وماذا بوسعه أن يستنتج من الكتب السماوية والعديد من الرسل المرسلين، وكذلك الأنبياء كما أن تأمله في نفسه بين القوة والضعف هذا كله أَليس حافزاً للإيمان بالله!

فلنؤمن بالله ونتمتع بالحس والإشباع الروحي كما شاء ربنا هو الخالق المدبر، أما الطبيعة والمادة فلنتناول منها ما تحتاجه حركتنا مع الحياة.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد