Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/04/2008 G Issue 12995
الأحد 21 ربيع الثاني 1429   العدد  12995
الملك عبدالعزيز (الحلقة الرابعة)
ما حاولت في وقت من الأوقات أن أعتدي على إخواني وأبناء قومي
مطيع النونو

وضع المفكر السياسي الإيطالي المشهور (ميكافيلي) مبادئ خطيرة تتعلق بالتعامل السياسي في العالم الغربي، وهي تقوم على أن السياسة والأخلاق (شيئان متناقضان) وشاعت هذه الفكرة المضللة في الدول الغربية، وامتدت إلى عالمنا العربي واتخذت هذه النظرية (الأخلاقية) إحدى الصفات الضرورية لرجل السياسة الناجح في الدول العربية من خلال استعماله الكذب والمناورات المضللة، لذلك ابتلي العالم العربي بانقلابات عسكرية في عالمنا العربي بهدف تبديل الهوية العربية لدى الشعوب، وأخذ قادة الانقلابات في العالم العربي يطبقون هذه الفكرة (الإيطالية) على الشعوب ليسهل انقيادها والقبول بكل تبديل وتغيير في نظام الحكم.

لقد بدأت الانقلابات العسكرية في السنوات الأخيرة من حياة الملك عبدالعزيز، وكان يتابع تلك الهزات السياسية في العالم العربي بكل اهتماماته البالغة من حرصه على سيادة العالم العربي، ومن خوفه على الجزيرة العربية أن تتأثر بتلك الهزات بعد رحيله إلى دار البقاء - طيب الله ثراه - وعندما وقعت الانقلابات في الوطن السوري الذي سبق أن منحه الملك عبدالعزيز كل قدراته واهتماماته السياسية حتى بلغ السيادة والاستقلال، خاطب جلالته القادة العرب الأعضاء في جامعة الدول العربية فقال لهم:

(على كل أمير عربي، أو رئيس ولاية أن يتعهد بأن يعضد زملاءه، ويكون وإياهم يداً واحدة على كل من تجاوز حدوده أو أخل بما هو متفق عليه بيننا وبينكم، وأن هذه الطريقة التي تستقيم بها مصالحكم ومصالح العرب، وتكون فيها الضربة القاضية على أعدائكم).

وأوفد زعيم الانقلاب السوري الجنرال حسني الزعيم وفداً إلى المملكة العربية السعودية ليشرح للملك عبدالعزيز أهداف الانقلاب في سوريا يوم 30 آذار 1949م بأنه لإصلاح البلاد ودعم استقلال سوريا -على حد تعبير قائد الانقلاب-. لكن أعلن الملك عبدالعزيز رأيه الصريح من موقفه للحركة الانقلابية أنه يرى في مسلك قائد الانقلاب هدماً لكل نظام، لذلك لا يقر هذه الطريقة، وهو لا يؤيد القائمين بها، لأن أمانة استقلال سوريا أمانة في عنق كل عربي، لأن العالم العربي اغتبط عندما تحررت سوريا من القيود التي كانت تطوقها، وأنه لا يريد لهذا الوطن العربي إلا ما نريده لبلادنا واستقلال صحيح وسيادة مطلقة.

وقال جلالته لموفد زعيم الانقلاب: (إن الحركات الانقلابية العسكرية في جميع الحالات مصدر قلق، وأرجو أن يقي سوريا من أضرارها).

ومن تحليل مواقف الملك عبدالعزيز لهذه الحركات الانقلابية ما يتبين من نظرته البعيدة لأبعاد أهداف الأحزاب القومية العربية التي ظهرت على الساحة العربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إنما هي إشعال حرب الطبقات في العالم العربي. وتقسيم المجتمع إلى طبقات تتصارع فيما بينها، وما يرافق ذلك من توجيه الاتهامات للزعامات الوطنية الشريفة بأنها متحالفة مع الاستعمار -على حد تعبير تلك الأحزاب البعيدة عن الرسالات السماوية- بهدف إزالة تلك الزعامات التي حققت السيادة لوطنها عن مسؤولية الدولة. وهذا ما وقع فعلاً في بعض الدول العربية التي تعرضت للانقلاب ومنها سوريا والعراق واليمن في الجزيرة العربية. وأصبح الإنسان ممزقاً بين قيم وتقاليد أصيلة نشأ عليها، وقيم (ثورية) فرضت عليه وجعلته ممزقاً بين الولاء لوطنه ولأهله ومجتمعه، وبين الولاء الجديد للحزب العقائدي وتجسيد الزعامة الدكتاتورية التي تتنكر لعقيدة الوطن، وتاريخه.

وفي الأيام الأخيرة التي قضاها جلالة الملك عبدالعزيز من حياته في مصيف الطائف بسبب مرضه الشديد استدعى ابنيه الأمير سعود ولي العهد والأمير فيصل نائبه في الحجاز ووجه إليهما كلمة توجيهية طالباً الاتحاد فيما بينهما وعدم التفريق قال فيها: (الشعب السعودي والمسلمون أنتم مسؤولون عنهم، وهم متعلقون بكم، ويجب عليكم أن تعرفوا شأن الإسلام، وتجمعوا كل العرب، وتخدموا شعبكم، ولن تستطيعوا ذلك إلا إذا كنتم أنتم أنفسكم مثالاً للاتحاد والتعاون وعدم التفرق، فكونوا متحدين متحابين كأنكم رجل واحد).

وقد علمت من بعض مستشاري جلالة الملك الذين حضروا هذا اللقاء الأبوي أن جلالة الملك المعظم كرر على ابنيه الوصية الأخيرة في حياته في ذلك اللقاء، ووعدا والدهما العظيم أن يبقيا متحدين متضامنين.

وأن تلك الوصية اعتبرت موجهة لجميع أبناء الملك المؤسس لهذه الدولة الحديثة وقد التزم بها الجميع عند توليهم مسؤولية الدولة. باعتبار هذه الوصية مستمدة من رسالة الإسلام، بعد أن أقام الرسول صلى الله عليه وسلم صلة الأمة بعضها ببعض على الإخاء الكامل، يتحرك فيه الفرد بروح الجماعة ومصلحتها وآمالها واحترام العقل الإنساني، في قوله تعالى في سورة الأنبياء: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)(92).

وفي عام 1968م تلقيت مع معالي الشيخ جميل الحجيلان حيث كان أول وزير للإعلام في المملكة العربية السعودية -حفظه الله- دعوة كريمة لتأدية فريضة الحج عام 1388هـ باعتباري من أسرة جريدة (الحياة) اللبنانية وأقيم في بيروت. وتشرفت بزيارة جلالة الملك فيصل -رحمه الله- ووقفت على آرائه السديدة في الشأن العربي، كما تشرفت بزيارة أصحاب السمو الملكي الأمراء من الأسرة الحاكمة وهم: خالد وفهد - رحمهما الله - وعبدالله رئيس الحرس الوطني، وسلطان وزير الدفاع والطيران والمفتش العام ونايف نائب وزير الداخلية وسلمان أمير الرياض - يحفظهم الله -، ولمست أن الأمير سلمان هو أمير الصحافة في المملكة العربية السعودية وهو قارئ جيد له توجيه سديد للعمل الصحفي ويسعى لتطوير الصحافة السعودية باعتبار أن الصحافة في المملكة ما زالت في بدء مراحلها حديثة العهد، لذلك كان مهتماً برجال الإعلام للقيام بواجباتهم نحو وطنهم. كما أجريت لقاءات مع أصحاب المعالي الوزراء ومع عدد من رجال المال والاقتصاد. وكانت لي لقاءات مع معالي السيد عمر السقاف وزير الدولة للشؤون الخارجية -رحمه الله- وهو يدير شؤون وزارة الخارجية بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز وزير الخارجية وكان أول وزير للخارجية في المملكة واختاره الملك عبدالعزيز لتولي هذا المنصب الدبلوماسي بالنظر لما يتمتع به من دراية في الأمور السياسية الدولية -رحمه الله-.

وعند دخولي مبنى وزارة الخارجية في جدة في حي البغدادية لاحظت في حائط البهو الكبير آية كريمة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(صدق الله العظيم)(آية 13، سورة الحجرات).

لذلك من الحس الصحفي كان أول سؤال وجهته لمعالي السيد عمر السقاف عن سبب اختيار هذه الآية لتتصدر المبنى الرئيسي لوزارة الخارجية فقال: (إن جلالة مولاي الملك فيصل قد نشأ منذ طفولته على شريعة الإسلام، ومن خلال تربية ورعاية والده العظيم جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- لجميع أبنائه ومن حرصه الشديد على أن يلتزم الجميع بمبادئ الإسلام السمحة. لذلك كان معنى هذه الآية عظيماً جداً في نفس جلالته منذ ريعان شبابه. وعندما أسند إليه الوالد العظيم هذا المنصب السياسي عام 1930م عند قيام الوزارة، أمر بوضع الآية في هذا المكان البارز الذي اختاره بنفسه. وقد رسم سياسة المملكة على شريعة الإسلام وكتاب القرآن ولتكون هذه السياسة أساساً للتعامل مع جميع دول العالم، لأن الله تعالى أمرنا بالتعارف مع كل الإنسانية وأن نحقق العدل والمساواة مع جميع الشعوب الأخرى، كما أرادها الله تعالى. ووزارة الخارجية ملزمة بالقرآن العظيم وبمعنى هذه الآية بالنسبة للسياسة الدولية التي وضعها المؤسس العظيم للدولة السعودية، وستبقى هذه الآية العنوان الأول لسياسة المملكة العربية السعودية وفي كل تعاملاتها.

والمعروف أن الملك فيصل قد أمضى 45 عاماً في وزارة الخارجية وحتى ساعة استشهاده في 25 آذار مارس 1975م وهو يمارس عمله اليومي في الديوان الملكي في المربع، وهي أطول مدة يقضيها وزير خارجية في العالم.

وعندما انتقلت الانقلابات العسكرية من سوريا إلى مصر عام 1952م كان البكباشي جمال عبدالناصر الذي تزعم الحركة الانقلابية وأطاح بالملك فاروق بعيداً عن الأجواء السياسية العربية ولا يعرف ما جرى من التزام بين قيادات المملكة العربية السعودية والمملكة المصرية وسوريا، كما أن عبدالناصر لا يعرف إلا القليل عن العالم العربي وأنه في الأيام الأولى للانقلاب لم يكن قد زار أي بلد عربي أو أنه التقى مع أي زعيم عربي ولم يواجه أي شعب عربي. وقد أصبح زعيماً عربياً بعد أن دخلت كلمة (العرب والعروبة) القاموس السياسي لشعوب المنطقة العربية بعد اندفاع الجماهير العربية التي ركز عليها الإعلام المصري في إذاعة صوت العرب الموجهة للعالم العربي التي عممت ضمن خطة مدروسة تم وضعها بواسطة أجهزة راديو (الترانزستور) بإشراف مصلحة الاستعلامات المصرية وأخذ يطلقها الإذاعي أحمد سعيد. وعندما أخذ عبدالناصر يتحدث في خطاباته للجماهير العربية عن القومية العربية متسلحاً بالمبادئ التي روجتها الأحزاب القومية في عالمنا العربي قبل نهاية النصف الأول للقرن الميلادي العشرين.

وبهذه الأسباب جمد عبدالناصر العلاقات مع الرياض لفترة زمنية بعكس علاقاته مع سوريا وكانت مستمرة بسبب بدء الانقلابات في سوريا قبل القاهرة، وجرت لقاءات بين قائد انقلاب سوريا العقيد أديب الشيشكلي حينما زار القاهرة يوم الحادي عشر كانون الأول (ديسمبر) 1952م، والتقى باللواء محمد نجيب والبكباشي عبدالناصر وتم الاتفاق على تطوير التعاون بين القيادتين لما فيه مصلحتهما المشتركة.

لكن عندما قضى الجيش السوري على نظام الشيشكلي يوم 25 شباط (فبراير) 1954م، كان رد حركة الضباط الأحرار في مصر عنيفاً وبالسرعة القصوى، وتولت إذاعة صوت العرب شن حملة شعواء على الجيش السوري وأخذت تدافع عن العقيد الشيشكلي، وتصفه بأنه كان المنقذ لأوضاع سوريا، لذلك اعتبر الحكم الدستوري هو الذي أعاد الدستورية البرلمانية في البلاد، وأن تدخل مصر في الشأن السوري مرفوض.

لذلك فإن الموقف الذي اتخذته القاهرة بشأن إزالة نظام الشيشكلي إنما يؤكد أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين حركة الانقلاب في مصر وبين الحكم الذي فرضه الشيشكلي على سوريا لأنهما يسيران في خط واحد لقيام حكومات عسكرية في الوطن العربي. ولكن الأمير فيصل بن عبدالعزيز وهو تلميذ مدرسة والده العظيم، ومكمل رسالته لجمع الأخوة العربية، بعبقريته ودهائه وسعة صبره وقوة أعصابه، فقد رسم خطة انتظار لحركة الضباط الأحرار في مصر حتى تبصرهم الأحداث بأن علاقات مصر مع العالم العربي لم تكن نزوة من نزوات الملك فاروق الأول.

وفي شهر آذار (مارس) 1954م بمناسبة ذكرى تأسيس جامعة الدول العربية وعقد دورتها العادية وجه الرئيس عبدالناصر دعوة لرؤساء حكومات الدول العربية لحضور الاجتماعات في القاهرة للبحث في التضامن العربي، ومثل المملكة الأمير فيصل بن عبدالعزيز في هذا الاجتماع، لذلك كان أول لقاء رسمي بين الأمير فيصل وجمال عبدالناصر الذي تقلد رئاسة الجمهورية المصرية بعد إقصاء اللواء نجيب عن هذا المنصب، ودار الحديث بينهما عن علاقات مصر بالعالم العربي، وأوضح الأمير فيصل أن علاقات مصر بالعالم العربي لها تاريخ وبخاصة بين القاهرة والرياض وهي لم تكن من صنع الملك فاروق، وإنما كانت نتيجة طبيعية لأبحاث وموضوعات ومواقف عديدة ومتشعبة عالجتها جامعة الدول العربية منذ تأسيسها، وهي مدونة في محاضرها ووثائقها، لذلك قامت تلك العلاقات على أسس ومبادئ مشتركة تضمن مصلحة الدول العربية مجتمعة، لتحقيق آمال الشعوب العربية.

واقترح الأمير فيصل يومها على عبدالناصر دراسة محاضر ووثائق قيام جامعة الدول العربية لإقرار علاقات مصر مع العالم العربي، وبخاصة مع المملكة العربية على ضوء التفهم للتاريخ، لا على ضوء الاندفاعية العاطفية بين نظام الملك فاروق والحكم في مصر. واستجاب عبدالناصر للرأي السديد الذي شرحه الأمير فيصل شاكراً له هذه اللفتة الكريمة التي ستساعد مصر على قيام تعاون عربي سليم. لذلك كانت النتيجة بتبدل موقف الضباط الأحرار في مصر وعادت العلاقات التقليدية مجدداً بين العواصم الثلاث الرياض والقاهرة ودمشق بأوثق مما كانت عليه في السابق.

وفي كتاب (فلسفة الثورة) للرئيس عبدالناصر الذي أعده الدكتور علي سامي النشار أستاذ الفلسفة الإسلامية في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وطبع الكتاب من قبل وزارة الإعلام في مصر جاء فيه:

(إن لمصر ثلاثة مجالات حيوية، في العالم العربي، والمجال الإفريقي، والمجال الإسلامي، لهذا عمل عبدالناصر في المجالات الثلاثة مجتمعة لتحقيق أحلامه في وقت واحد، ولكن ركز على المجال العربي بالدرجة الأولى، لأن مصر ترى نفسها في مركز ممتاز خاص في جامعة الدول العربية يمكنها من ممارسة زعامتها على الدول العربية).

وبعد مراجعة كتاب (فلسفة الثورة) يظهر ما يلي من أهداف مرحلية:

الأولى: فرض سيطرته على العالم العربي من النيل إلى الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي، ماراً بالبحر الأبيض المتوسط.

ثانياً: التوجه إلى القارة الأفريقية.

ثالثاً: التوجه إلى العالم الإسلامي.

لذلك فإن هدف عبدالناصر قيام الإمبرطورية الناصرية في العالم العربي وإلغاء الأنظمة الملكية وقيام أنظمة جمهورية بديلاً عنها، وكأن حلم عبدالناصر لإعادة تاريخ محمد علي باشا في مصر وسيطرته على العالم العربي.

وفي شهر تموز (يوليو) 1954م وجه الملك الحسين بن طلال رسالة إلى الملوك والرؤساء العرب يدعوهم إلى تقديم العون المادي والمعنوي للأردن لحماية حدوده من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، واعتبرت الرسائل بمثابة إنذار مسبق لخطر قادم على الأردن ثم قام الملك الحسين بخطوة جريئة تلبية لرغبة الرئيس السوري شكري القوتلي الذي عاد لمنصب رئاسة الجمهورية بعد القضاء على الحكم العسكري السوري، في إلغاء المعاهدة مع بريطانيا وعزل الفريق جون باغوث غلوب رئيس أركان الجيش الأردني في شهر مارس 1956م. لذلك أجرى الرئيس القوتلي اتصالات سريعة مع جلالة الملك سعود وتم الاتفاق على دعوة لقمة ثلاثية مع الرئيس جمال عبدالناصر في مدينة الأقصر بمصر يوم السادس من آذار ثم انتقل الزعماء الثلاثة إلى القاهرة لدراسة الوضع العام في الشرق الأوسط في ضوء قرارات الملك الحسين المفاجئة. وصدر بيان مشترك أكد أن القادة الثلاثة قد وضعوا خطة شاملة لدعم الأمن العربي لحفظ كيان الأمة العربية والدفاع عنها من الأخطار الخارجية، كما أعلنوا تأييدهم المطلق للأردن ووضع برنامج لمساعدته، أطلق عليه التضامن العربي. وتم تفويض الرئيس القوتلي للتشاور مع الملك الحسين فيما يحتاج إليه الأردن وفي تعزيز علاقاته مع العالم العربي، وقام الملك الحسين الشاب الذي تولى قيادة الأردن لبلوغه السن القانونية بزيارة دمشق، ثم زار الرئيس القوتلي الأردن وتم وضع صيغة تعاون عسكري مشترك يضمن الدفاع العربي عن الأردن. وعقدت قمة ثلاثية جمعت الملك سعود والرئيس القوتلي والرئيس عبدالناصر في الدمام يوم 24 أيلول 1956م، تقرر فيها دعم الأردن بالمساعدات المالية التي بلغت اثني عشر مليوناً ونصف مليون جنيه إسترليني سنوياً، تدفع كل من السعودية ومصر مبلغ خمسة ملايين جنيه وتدفع سوريا مليونين ونصف مليون جنيه. وتم اختيار اللواء عبدالحكيم عامر لرئاسة القيادة العسكرية العربية الموحدة في الأردن، وتم تشكيل قيادة عسكرية عربية موحدة برئاسة الملك الحسين، واللواء عامر، واللواء توفيق نظام الدين رئيس أركان الجيش السوري، واللواء علي أبو نوار رئيس أركان الجيش الأردني حيث تم توحيد الجيوش العربية في مصر وسوريا والأردن وتوزيع الصلاحيات. وسبق إقرار الدعم المالي للأردن أن وقعت الدول الثلاث المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا على ميثاق منظمة دفاع وتعاون اقتصادي عربي مشترك لصد أي عدوان يقع على إحدى دول المنظمة وإنشاء قيادة مشتركة لتدريب القوات العسكرية المشتركة وتسليحها وتنظيمها وتوزيعها وفقاً للخطة الدفاعية، وتنسيق الصناعات الحربية والمواصلات للأغراض العسكرية، وعدم قيام أي دولة بعقد اتفاقات دولية وعسكرية أو سياسية بدون موافقة أعضاء المنظمة، مع دعم الاقتصاد بين دول المنظمة، بهدف تحقيق الوحدة الاقتصادية الجامعة، وإحداث مصرف عربي يصدر نقداً عربياً ووضع التبادل التجاري العربي وتأليف شركات مساهمة برؤوس أموال عربية مشتركة، وتأليف مجلس اقتصادي عربي لتوجيه السياسة الاقتصادية ودعوة الدول العربية للموافقة على الميثاق والانضمام إليه.

ووقع الميثاق الأمير فيصل بن عبدالعزيز نيابة عن المملكة العربية السعودية وخالد العظم وزير خارجية سوريا والصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد القومي في مصر. وقدم الملك سعود بن عبدالعزيز للرئيس السوري شكري القوتلي طائرتي نقل عسكريتين من نوع (داكوتا) هدية للجيش السوري، وكانت من أفضل الطائرات الحربية لنقل القوات العسكرية وتم استعمالها في نقل جنود الجيش السوري ومعداته الحربية إلى الأردن تنفيذاً للاتفاقية الدفاعية بين الدول الثلاث والأردن الشقيق. لذلك كانت نتائج مؤتمرات القمم الثلاثية لها أهداف واسعة في نظر القيادات الثلاث وهي مفضلة عن اجتماعات القمم العربية التي تضم الدول الأعضاء حتى لا توقع الخلافات بين قادة القمم الموسعة.

وفي الحلقة الأخيرة سيأتي الحديث عن التعاون الإسلامي المسيحي بين المملكة العربية السعودية والفاتيكان عام 1972-1974م، بعد أن اعترفت كنيسة الفاتيكان بقوة الشريعة الإسلامية وأهميتها في هذا العالم، وأن رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن القرآن هو كتاب من عند الله ويفسره الحديث. لذلك كان اللقاء الإسلامي المسيحي بهدف خدمة الإنسانية جمعاء وزيارة الوفد العلمي برئاسة معالي محمد الحركان وزير العدل لكنيسة الفاتيكان والاجتماع بقداسة البابا بولس السادس الذي كان له اليد الأولى في الحوار الإسلامي المسيحي وصدور وثيقة الفاتيكان التاريخية التي اعترفت بشريعة الإسلام وكان عدد صفحاتها 140 صفحة. وقد وافق مؤتمر القمة العربي في الرباط عام 1974م على أن يشارك وفد لبنان المسيحي برئاسة الرئيس سلمان فرنجية لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للدفاع عن القضية الفلسطينية. كما شارك البابا بولس السادس في اجتماعات الأمم المتحدة والرئيس ياسر عرفات حاملاً غصن الزيتون ويشرح قضية العرب الأولى من على منبر الأمم المتحدة.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5137 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد