Al Jazirah NewsPaper Sunday  27/04/2008 G Issue 12995
الأحد 21 ربيع الثاني 1429   العدد  12995
شيء من
ثقافة العمل
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

قال صاحبي: (مشكلتنا أن الأولوية القيمية في مجتمعاتنا ليست للعمل، العمل يأتي في الدرجة الثانية وربما الثالثة في سلم أولويات تميّز الفرد وقيمته الاجتماعية).

فمشكلة البطالة - مثلاً - واتساع أعداد العاطلين عن العمل، هي في تقديري ليست ناتجة عن (غياب الفرص) في الاقتصاد السعودي، بقدر ما هي بسبب غياب ثقافة العمل عن مفاهيم السعوديين واحتقار أصحاب المهن في ثقافتنا.

في الشرق الأقصى، وفي الصين واليابان تحديداً، هناك ما يشبه الهوس بالعمل والانتاج والإبداع، إلى درجة أن الهوس بالعمل يكاد أن يحول الإنسان إلى آلة، وهذا ما يعتبره علماء الاجتماع اليابانيون - - بالمناسبة- مؤشر مرض نظراً إلى أن (الغلو) في تقديس إنتاجية الفرد قد يفقد المرء إنسانيته، فيحيله إلى كائن أشبه ما يكون ب(الريبوت) كما يقولون. أما هنا فالأمر على النقيض من ذلك تماماً.

كما أن هناك مفاهيم منتشرة بين السعوديين، تدعمها أنظمة إلزامية أحياناً مفادها أن فرص العمل في القطاعين العام والخاص يجب أن تصرف للسعوديين بغض النظر عن تفوقهم وإنتاجهم، وإنما لأنهم سعوديون فقط ومن هذه المفاهيم برز مفهوم (السعودة) الذي أصبح على كل لسان, وهذا المفهوم يعني ببساطة جعل الأولوية في التوظيف للسعودي، ولا يهم بعد ذلك مدى إتقانه لعمله. وإذا أخذت هذا المفهوم من منطلق اقتصادي بحت فإنه يعتبر عائقاً من عوائق الجودة والنوعية؛ فلا يمكن أن تنتظر جودة ونوعية متميزة في المنتج النهائي إذا كان الإتقان والتفوق في الأداء يتراجع أمام جنسية الموظف.

غير أن الضغوط السياسية التي جعلت (ابن الوطن) لا يجد عملاً في حين أن (الوافد) يتنافس عليه أصحاب الأعمال، أدت إلى التضحية بالإنتاج والإبداع، وتقديم المواطنة (كقيمة) تفضيلية في الحصول على وظيفة، وهذا سيؤثر تأثيراً سلبياً على قدرة المنتجات السعودية في المنافسة على المدى المتوسط والبعيد، في سوق عالمية أصبحت الجودة والنوعية فرسي الرهان اللتين يراهن عليهما المنتجون والمستهلكون معاً.

ولعل أهم ما تعانيه سوق العمل في المملكة - أيضاً - عدم تناسب تخصصات مخرجات التعليم مع متطلبات السوق السعودية للعمالة. إضافة إلى عناية المنشآت الكبرى في السوق بمراكز التدريب والتأهيل.

هذان العاملان، إضافة إلى العوامل الأخرى التي ذكرت، أثرت في تعميق الهوة بين متطلبات سوق العمل وبين الإنسان السعودي الذي يبحث عن عمل، مما أدى في النتيجة إلى تفاقم أرقام البطالة، وفي الوقت ذاته زادت الضغوط على المسؤولين لفتح الباب لاستقدام عمالة أجنبية ماهرة وقادرة على تلبية الاحتياجات التنموية.

وفي تقديري أن التشوهات التي تعاني منها ثقافة العمل في المملكة لا يمكن حلها في الأمد القريب، وإنما تحتاج إلى أجيال، وخلق بيئة تعليمية أساسية لتكريس ثقافة العمل.

وقبل الختام أشير إلى حادثة ذات دلالة تؤكد ما أقول، حيث افتتح أحد أبناء الأسر (القبلية) محلاً للحلاقة، لا يعمل فيه هو نفسه، وإنما عمالة وافدة؛ فلما علم (أساطين) أسرته بذلك ضغطوا عليه، وفرضوا عليه ترك هذا المجال الذي لا يتناسب مع القيم (الموروثة) لأسرتهم الكريمة!.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد