Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/04/2008 G Issue 12998
الاربعاء 24 ربيع الثاني 1429   العدد  12998
يارا
عبد الله بن بخيت

يقارن كثير من سياح الرياض بين دبي وبيروت. ينسون أن بيروت حالة سيكلوجية تاريخية بينما دبي واقع حضاري قائم. ترتبط بيروت بثقافة العرب الحداثية وبقايا العروبة وتطلعات الستينيات والحنين للأيام الخوالي. مفهوم السياحة على الجو العليل. شم هواء. سياحة الطايف وأبها المرتبطة بالصيف والهروب من الحر. عندما تشتد القلاقل فيها يستبدلونها بالقاهرة. سياحة في قلب الحنين للماضي. لا تدخل دبي في هذا المفهوم. لا تقارن بالمدن العربية المؤدلجة والمسيسة. تستطيع أن تفهم دبي بمقارنتها بسنغافوره وحتى بلندن وترنتو وغيرها من المدن التي تؤسس حالة حضارية ترتبط بالمستقبل. ذراع الحضارة الحديثة في الثقافة العربية. الذي يقرأ تاريخ دبي لا يلاحظ أي تأثير للثقافة العربية الحديثة والناصرية والثورية والستينات. نجت هذه الإمارة من الجبهتين المتصارعتين. الجبهة الثورية والجبهة الأيدلوجية. لم ترتص في صفوف ثقافة التطلعات الثورية ولم تقف في الجهة المعادية لها. كانت الطريق الثالث الصامت المهمش حينها. رؤية مخططيها الواقعية حمتها من صراع الأيدلوجيات فظلت نائمة طوال فترة حمى السياسة. زرتها أول مرة في السبعينات لم أشاهد فيها أثرا للعروبة ولم أشاهد المظاهر المعتادة. كان همنا في ذلك الحين الكتب. سهيل ادريس وأدونيس والسياب. لم أجد لهؤلاء وجودا في تلك المدينة. شعرت بالحزن. لم تكن تلك الكتب ممنوعة ولكن لا يوجد ما يستدعيها للوجود. كنا نعتقد أن الحرية والتقدم مربوطة بهذه الأسماء فالقاهرة وبيروت يتقاسمان معاييرنا القيمية. أصبنا بخيبة أمل فازداد إيماننا بأشعار نزار قباني (أيها الملجم متى تفهم).

مضت الأيام قدما. وإذا بدبي تنبثق من تحت الرماد كالعنقاء الأسطورية التي بكى غيابها الشعراء. تركت السياسة للمسيسين والأيدلوجيا للمؤدلجين هذا بمذياعه يدق وذاك بأساطيره يصيح، فهؤلاء لا يرون في دبي سوى مجموعة من ناطحات السحاب. لا يرون القرن الواحد والعشرين الذي يغطي الكون بسحبه الإلكترونية فائقة السرعة. أشباح الثلث الأخير من القرن العشرين تملأ ذاكرتهم. ضجيج الكتب والتاريخ والقصائد العصماء ورفيف الهواء العليل. مازالوا يضحكون من كأسك يا وطني ويطربون لحبيتك في الصيف ويتبادلون قصائد مظفر النواب الزاعقة في جيوبهم السرية. يرتجون التاريخ أن يمن عليهم بعودته. ها نحن عدنا فنحن أوفياء كما ترى. حشرنا مسرحيات فيروز وأغاني أم كلثوم وعبدالحليم حافظ في مسجلات (الآي بد) لكي تتسق الأمور بين عصرنا الذي نعيش فيه وبين العصر الذي كنت فيه سيدا. عد إلينا فنحن لا نقوى على دبي. متطلباتها لم نتعلمها في عصرك. نحتاج أن نعرف كيف نتعامل مع الإنترنت وكيف نجيد اللغة الإنجليزية وكيف نركب التكاسي صامتين ونجلس في المقاهي لا يتملقنا الجرسون ولا نفاصل في الأسعار ولا يغشنا أحد. لا نعرف كيف نسير في دكاكينها دون أن يأتي من يطردنا لأن الوقت قد حان. دبي فقاعة ثقيلة أيها التاريخ.

فاكس 4702164


Yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد