Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/05/2008 G Issue 12999
الخميس 25 ربيع الثاني 1429   العدد  12999
أما بعد
التنمية المهنية
د. عبدالله بن عبدالعزيز المعيلي

من أعظم التحديات التي تواجه التربويين كون التربية متجددة، وأن على التربويين أن يتجددوا معها، فإن قصروا فعليهم أن يتبددوا، وهذا أمر تستوجبه متغيرات الحياة ومستجداتها، فإما أن يتطور المعلم ويتجدد في مفاهيمه وأساليبه وممارساته التربوية داخل الفصل وخارجه؛ ليواكب كيفيات التعامل مع هذه المستجدات ويؤثر فيها، وإلا سوف يجد نفسه خارج دوائر التأثير والإثارة، وبالتالي يفترض أن يبحث له عن مكان مناسب خارج خارطة العمل التعليمي والتربوي.

ومن هنا يتبين أن التطوير المهني للمربين عموماً، وللمعلمين خاصة، يعد أمراً واجباً وحتمياً، وليس نفلاً أو ترفاً؛ فالمتغيرات المتلاحقة في شؤون الحياة ومتطلباتها أوجبت بذل جهد منظم دؤوب متجدد، يمكِّن التربويين من التحكم في ضبط هذه المتغيرات والسيطرة عليها، وتحييد آثارها السيئة على العقول والوجدانات والسلوك، وتوجيهها الوجهة التي تفيد الناشئة وتنمي سلوكهم في الإطار السوي المستقيم. ويفهم من هذا أن زمن التطوير المهني الذي كان يقوم على التسلية والإلهاء والكم الغثائي، والشكليات الفارغة من أي مضمون تطويري، قد ولى؛ فلم يعد يطرب له أحد، أو ينخدع بحيل بعض المدربين وشهاداتهم التي لا تساوي قيمة ورقها الفاخر، أو الحبر الذي كتبت به.

في ضوء هذا، يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل هناك تطوير مهني للمعلمين، يرقى بأدائهم التربوي والتعليمي، ويساعدهم في تجدد مواقفهم التعليمية وتجديدها، ويثريها بما يجعلها حيوية مشوقة؟ الجواب معلوم لدى المعلمين، بل إن الكفاءة الداخلية للعملية التعليمية ومخرجاتها المتدنية خير جواب على هذا التساؤل. ولهذا أسبابه الكثيرة التي يأتي في مقدمتها مفهوم التنمية المهنية وأساليبها، والكفايات البشرية التي تدير التدريب وتشرف عليه، والمخصصات المالية اللازمة للتفعيل.

فمن حيث المفهوم فقد انكفأ التدريب على مفاهيم جامدة مكرورة، وكانت تدور في دوائر ضيقة محددة، أهمها دورة مديري المدارس، ودورة المشرفين التربويين، وكلاهما من الدورات الطويلة (فصل دراسي كامل)، يرجع منها المتدرب كما بدأ، بل إن البعض قال عنها صراحة: إنها مضيعة للوقت والمال. بعد ذلك هرول القائمون على التدريب نحو الدورات القصيرة، وطرب البعض لأعداد المتدربين التي كانت تقدر بعشرات الآلاف، إلا أن هذه الدورات لم تكن ذات جدوى أو فائدة، لا للمتدرب نفسه، ولا للمؤسسة التعليمية التي يعمل فيها، وأخص المدرسة وإدارة التعليم، والسبب في ذلك يرجع إلى أن فرصة الالتحاق بمثل هذه الدورات محدودة جداً، وأن مَن يتحصل على واحدة من هذه الدورات عليه أن ينتظر طويلاً كي تتاح له فرصة أخرى، على الرغم من الحاجة الملحة التي تتطلب ما لا يقل عن أربع دورات للفرد الواحد خلال العام الدراسي، أما المؤسسات التعليمية الميدانية (المدارس وإدارات التعليم) فإنها لم تستفد البتة من مثل هذه الدورات؛ لأن المتدرب الذي يحصل على دورة قصيرة لمرة واحدة - وعلى الرغم من ضحالة فائدتها - سرعان ما ينتقل من مقر عمله إلى آخر، ناقلاً خبرته الهزيلة معه، وتبقى المؤسسة على حالها القديمة.

أما المخصصات المالية لبنود التدريب فإنها لا تفي بواحد في المئة من حاجات التدريب والمتدربين؛ فلكم أن تتصوروا منطقة تعليمية عدد منسوبيها يربو على الثلاثين ألفاً ومخصصها من بند التدريب حوالي سبعمائة ألف ريال فقط، هذا المخصص لا يفي حتى بالمستلزمات المكتبية للتدريب فضلاً عن مكافأة المدربين والمتدربين.

إنَّ ضعف مخصصات التدريب أسهم وبدرجة عالية جداً في تأخر التعليم؛ لأن التدريب يعد أحد مدخلات التطوير الرئيسة والمهمة، وكما قيل: (الماء الراكد يأسن)، وكذا عمليات التعليم وأساليب التعلم إذا لم يصاحبها تغيير وتحديث مستمر فلا يمكن أن يتحقق تحسن في المخرجات. ومن هذا المنطلق يجب أن يعاد النظر في مخصصات التدريب، بأن تعطى أولوية قصوى بدعمها مالياً، وأن يتم النظر إلى مؤسسات التعليم باعتبارها منظومة متكاملة، حيث يشمل التدريب مكوناتها كافة، البشرية، والإدارية، والتقنية، والنظم، وإجراءات العمل وأدلته.

هذا هو المدخل الأول والرئيس لانتشال التعليم من وضعه الراكد؛ ليرقى إلى مصاف الدول التي حققت مستويات متقدمة في مخرجاتها التعليمية وكفاءتها الداخلية.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد