Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/05/2008 G Issue 12999
الخميس 25 ربيع الثاني 1429   العدد  12999
الباحث د. ناصر الحازمي يبحث في تاريخ أوقاف منطقة جازان ويدرس القيمة التاريخية والحضارية لها

حظيت الأوقاف باهتمام بالغ على مدى عصور الإسلام، وقد جاء في كثير من آي القرآن الكريم ما يدل على ذلك، ويدعو إلى فعل البر والإنفاق في سبيل الخير وما يكون نفعه متعدياً إلى عموم المسلمين. وبدأ المسلمون يعملون بنظام الوقف من أول الإسلام، عملاً بما كان يوصي به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ويحثهم عليه من فعل الصدقة والإنفاق مما أنعم الله به عليهم، وقد تسابق أغنياء الصحابة إلى الوقف وتنافسوا في ذلك، وتتابع اهتمام المسلمين بالوقف منذ صدر الإسلام وخلال العصر الأموي والعباسي والأيوبي والمملوكي وعصر الدولة العثمانية وظهر بكل أنواعه ولم يخل إقليم من أقاليم الدولة الإسلامية من هذا الأمر لما فيه من المنافع والآثار العظيمة على الأمة والمجتمع المسلم.

ولقد برز أثر الوقف على المجتمع الإسلامي بما يؤديه من دور في تماسك المجتمع ورعاية كثير من مؤسساته الاجتماعية المهمة كالمساجد، والمدارس ودور العلم، والمكتبات وطلاب العلم، والآبار والأسبلة وغيرها من جهات الخير، والإنفاق على الفقراء والمحتاجين واليتامى والمساكين وابن السبيل وغير ذلك من المصارف المهمة التي يقوم الوقف برعايتها ودعمها.

ولهذا يعد الوقف رافداً قوياً من الروافد الداعمة للعديد من المرافق الحضارية في الدولة الإسلامية.

وقد كان المخلاف السليماني (منطقة جازان) واحداً من الأقاليم التي استفاد أهلها من نظام الوقف، وتسارع الناس على اختلاف فئاتهم إلى الوقف في وجوه الخير والبر والإحسان.

أنواع الأوقاف في منطقة جازان:

للوقف أنواعه وأقسامه المتعددة فمنها: الوقف الأهلي أو الذري، ومنها كذلك الوقف الخيري، ويمكن أن نبرز أنواع الأوقاف في المخلاف من خلال هذين القسمين لأنهما أكثر الأنواع شهرة في نصوص الوثائق.

أولاً: الوقف الأهلي أو الذري:

ويقصد به الوقف على الأولاد والذرية والأقارب وهذا النوع من الوقف وجد بشكل واضح في الوثائق المسجلة، وكثيراً ما تنص شروط الواقفين على مثل ذلك كقوله (على من ضعف من أهل البيت وعلى مسجد وعلى ابن السبيل) أو (وعلى ابنته القاصر) وقوله (وقف على الفقراء والمساكين وأهل البيت وغيرهم وما استحسنه الناظر من طرق الخير من سقاية وغيرها)، وقول بعضهم (على زبيره ثم على الذرية حسب شرط الواقف).

وعلى ما في هذا النوع من خلاف بين أهل العلم بين الجواز والمنع إلا أن الوضع الاجتماعي وحالة الفقر التي كانت سائدة في زمن الوقف كانت تستوجب على الواقف أن يوقف على ذريته خشية أن تصيبهم الحاجة بعد موته.

ثانياً: الوقف الخيري:

ويقصد به الوقف في طرق البر والخير وما تكون مصالحه ومنافعه عامة على المسلمين مثل المساجد والمدارس والآبار والمقابر والفقراء والمساكين وغير ذلك. وهذا النوع من الوقف هو الأكثر شيوعاً في الوثائق المسجلة، ويمكن أن نأتي على هذه الأنواع بصورة مجملة من خلال ما استنبطه الباحث من نصوص الوثائق.

أولاً: الوقف على المساجد:

فإن من أعظم أعمال البر والقرب إلى الله عمارة المساجد، يقول الله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً).

ويعد بناء المساجد من أعظم مظاهر الإسلام وإظهار شعائره وإقامة أركانه، وقد أدرك الناس في المخلاف أهمية بناء المساجد ودورها في حياة الأمة، فسارعوا كغيرهم من أهل السنة إلى عمارتها وبنائها والوقف عليها، ولا تكاد تجد بلدة إلا وبها عدد غير قليل من المساجد، وقد تنافس الناس في هذا السبيل وهو ما أفصحت عنه الوثائق المسجلة، بل الأهم من ذلك هو وعي الواقفين بأهمية جعل أوقاف دارَّة يصرف ريعها على تلك المساجد وتصرف في عمارتها وترميمها وما يتبعها من المرافق الأخرى والإنفاق على الإمام والمؤذن وعلى نظافة المسجد وفرشه وإنارته، ولعل من المفيد أن أذكر بعض المساجد التي كانت لها أوقاف دارة أسهمت في عمارتها والحفاظ عليها مدة من الزمن.

ثانياً: السقيا (الآبار)

وهذا النوع من الموقوفات له ثماره العظيمة ومنافعه المتعدية، إذ لا غنى للناس عن الماء، ولما كانت الوسيلة الأولى في جلب الماء عند أهل المخلاف هي حفر الآبار، كان هذا دافعاً لأهل البر والإحسان لحفرها في كل مدينة وقرية وكفاية الناس مؤنة ذلك، وقد اتجه أغلب الواقفين إلى وقف الأراضي الزراعية ليصرف ريعها على صيانة الآبار وتأمين منافعها وأدواتها، وقد كشفت لنا نصوص الوثائق المسجلة كثيراً من طرق وقف الآبار عند أهل المخلاف فالبعض منهم يقوم بوقف على المسجد وعمارته وإخراج بئر بجواره قاصداً بذلك تلبية حاجة الناس للماء وحاجة المصلين للوضوء والاغتسال وغير ذلك، وقد جاء هذا النوع من الوقف في الحديث الذي رواه أنس - رضي الله عنه - حيث قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)، قال فقام أبو طلحة إلى رسول الله فقال (يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) وإن أحب مالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله) فقال رسول الله (بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت وما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)، فقال أبو طلحة (أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)، ولم يهمل الواقفين في وقفياتهم أن يصرف جزء من ريع الوقف على مستلزمات البئر مثل الدلو والرشا والقرحوف لأنها كثيرة التلف وتحتاج إلى تغيير دائم، وجعل حرماً للبئر من جميع جهاتها.

ثالثاً: الوقف على الفقراء والمساكين:

وهذا باب عظيم من أبواب الصدقة والبر والإحسان حث عليها صريح القرآن الكريم والسنة المطهرة وتنافس أهل الخير والقدرة على سد حاجة الفقراء والمساكين وابن السبيل، والوقف في هذا السبيل يدل على عظيم عناية الإسلام بهذه الفئات، رغم ما قرره لهم الشارع الحكيم في الزكاة والصدقات إلا أن باب الوقف مفتوح لذلك، وقد وجد هذا النوع بكثرة في نصوص الأوقاف المسجلة، يقوم أهلها بوقف أراضٍ زراعية يصرف ريعها على هؤلاء حيث نجد الوقفية تنص على الفقراء والمساكين والمحتاجين وهو شرط الواقف سراحة يأمر بتوزيع ريع وقفه على الفقراء والمساكين والمحتاجين يوم الحصاد كما قال تعالى (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) كأن يقول في شرط الوقف (من على زبيره). بمعنى أنه يوزع على هذه الفئات يوم حصاده يغني فيه الفقراء والمحتاجين طوال فترة الحصاد. وهذا الأسلوب من الوقف يؤكده المعنى المشار إليه في قوله تعالى (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، ويؤكده كذلك فهم الواقفين للعبر والعظات التي أشارت إليها قصة أصحاب الجنة في سورة القلم.

كما يدخل تحت هذا النوع الوقف على الصائمين في رمضان وغيره وتأمين الإفطار لهم، يقتطع ذلك من ريع وقف المسجد، كما ويدخل أيضاً تحت هذا النوع قرى الضيف والقيام بشؤونه وإكرامه، كما نصت بعض نصوص الوثائق على القدر والمطحنة، إشارة إلى تأمين هذه الأدوات المستخدمة في وجوه البر السابقة.

رابعاًً: الوقف على العالم والمتعلم:

وهذا النوع من الوقف معروف ومشهور في تاريخ الوقف عند المسلمين لما فيه من المنافع العظيمة والمقاصد الجليلة يتحقق به نشر العلم ورفع الجهل وسد حاجة العلماء والمتعلمين ليفرغوا لطلب العلم وتعليم الناس، وقد وجدت من خلال نصوص الوثائق الوقفية أن هناك من وَقَف على العلماء والمتعلمين وتأمين المأكل والمشرب والمسكن بل جاء في بعضهما (وتأمين ثياب يكسا بها العلماء والمتعلمين). ويلحق بهذا النوع ما وقف على المدارس الحكومية في الوقف الحاضر لما فيه من المنافع.

خامساً: لمن أراد السكنى

ويقصد بهذا النوع من الوقف جعل الأرض الموقوفة لمن رغب أن يسكن، يعطى جزء منها يبني عليها بيتاً له ولأولاده وهو ما يشبه المجمعات السكنية الخيرية المنتشرة في هذا الزمن.

سادساً: وقف المقابر

بأن يقف أرضاً واسعة تكون مقابر يدفن فيها موتى المسلمين، ويلحق بهذا النوع وقف الكفن والحنوط وتجهيز الميت وغير ذلك سواء ما يقفه الواقف على نفسه إذا مات أو على غيره من المسلمين.

سابعاً: وقف يكون محمية للحيوان

وهذا النوع من الوقف لم أجد فيما وقع بين يدي من المصادر أن هناك من كان يقف على الحيوان والطيور والوحش ويجعل لها أرضاً محمية لا يقربها الناس بالصيد والانتفاع بها إلا وقف الإمام الإدريسي في الأرض التي وهبها له القاضي حسن بن يوسف خديش فجعلها وقفاً على الحيوان والطير والوحش. ولعل هذا من باب فعل الأمراء والحكام ليدللوا فيه على استغنائهم وحكمتهم وحسن تصرفهم.

ثامناً: وقف على معاطن الإبل

هي الأرض التي ترد إليها الإبل للمبيت.

تاسعاً: وقف الكتب

وكان هذا النوع من الوقف موجوداً لدى بعض أهل العلم يقف كتبه في طلبة العلم ويجعلها في متناول أيديهم.

عاشراً: وقف الطرق

تذكر بعض المصادر أن الخواجا محمد بن يحيى بن موسى بن هاشم المنسكي أحد أثرياء صبيا في القرن الحادي عشر الهجري، قد اشترى طريق الحاج من أوائل بلاد اليمن إلى قرب حلي بن يعقوب وجعل ذلك وقفاً لله تعالى.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد