Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/05/2008 G Issue 12999
الخميس 25 ربيع الثاني 1429   العدد  12999
إعلامي يترجل
بدر بن أحمد كريِّم

تعرفتُ عليه عام 1406هـ (1986م) عندما عُينت مديراً عاماً لوكالة الأنباء السعودية، وكان وقتها مديراً للتحرير الداخلي فيها، فتآلفت معه، وعشنا معاً أحداثاً تطلبت أن يغمض هو وشباب، ورجال (واس) أعينهم دقائق على مكاتبهم، في قيض الحر، وقسوة برد الشتاء، وكان -وآخرون من زملائه- أول من يدخل مكتبه، وآخر من يخرج منه.

أجواء العمل في وكالات الأنباء تتطلب السرعة، والفورية، والركض، والحرفية، وكثيرا ما تُعرّض هذه العوامل، من يتولون صياغة الأخبار، للمساءلة تارة، والمحاسبة تارة أخرى، ولكن الشكر قليل. ورغم ذلك يستمرون -وكان هو واحداً منهم- على مدى قرون من الزمن، متحدين كل الحواجز، والتأثير النفسي اللاحق، ومحاولين التخلص من قنابل موقوتة، شديدة القوة، شديدة التأثير.

هذه الأجواء كثيراً ما تُحدث التوتر بين زملاء العمل، وكثيراً ما تُعرض علاقاتهم العملية والإنسانية للكر تارة، وللفر تارة أخرى، فهذا هو قدرهم، فمن شاء أن يستمر فليتقبل أمراض المهنة، ومن شاء ألا تحكم قبضتها عليه فلينسحب من أول وهلة، لكنّ هناك التزاماً أدبياً أخلاقياً يفرض عليه، محاولة التغلب على أمراض المهنة، عله ينجح في الخلاص من أسرها، وقلّ أن يكون الأمر كذلك، باستثناء فئة تتمكن من تنظيم جهازها الصحي الخاص بها.

أمراض المهنة يمكن أن تطال كل إعلامي، وقلّ أن ينجو منها أحد، رغم أنه يقرع طبول الانتصار عليها، ومحاولة التخلص من أسرها، في عصر إعلام تتعامل بعض إداراته مع الإعلاميين بحذر وريبة.

الرجل الذي أتحدث عنه، اختلفت معه وبالعكس، واحتد النقاش بينه وبيني، وكاد أن ينجح مسؤول إعلامي، في بذر بذور الفرقة بيني وبينه، كان يمكن أن تؤدي إلى عزل العلاقات الإنسانية بيننا، لكنه صمد في وجه الإغراءات التي قدمت له، إلى أن تأكد هو وكاتب هذه السطور أن (وراء الأكمة ما وراءها) فتجاوزا محنة التفرقة والتجزئة.

هو واحد من الذين لا يفسرون الاختلاف في الرأي، على أنه إلغاء لدورهم، أو إقصاء لهم عن عملهم، ولذلك لم يضجر، أو يتأفف، أو يشكو، أو يقيم الدنيا ولا يقعدها، بل تقبل الاختلاف على أنه اختلاف عمل، ورؤية لكلينا، لمدرسة هو خريجها، وكاتب هذه السطور خريج مدرسة أخرى، ولكنّ كلينا يحاول الاجتهاد (فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد) فالهدف في كلتا الحالتين، رسم مبادئ عمل إعلامي، متخلص من الأحقاد، ومبتعد عن التعصب.

هذه الكلمات أكتبها عن زميل وصديق عزيز علي، عشت معه عملاً متواصلاً على مدى كل ساعة من نهار وليل، انتقل إلى جوار ربه، في الموعد المحدد، وجدتُ أن من واجبي أن أكتب هذه الكلمات عنه. إنه (عبدالعزيز بن سعد الغامدي) الذي بدأ عمله محرراً في وكالة الأنباء السعودية منذ نشأتها (1390هـ) وتَوّجه مديراً عاماً لها.

أرثيك يا صديقي (عبدالعزيز) وأعزي فيك كل أصدقائك ومحبيك، وأقدم العزاء لأسرتك، وأبنائك، وبناتك، ولكل من شيّع جثمانك إلى مثواه الأخير بعد عصر يوم الثلاثاء 23 ربيع الآخر 1429هـ (29 إبريل 2008م).

رحمك الله (أبا سعود) فأمراض المهنة التي عانيت منها كثيراً، وطالت يدها كل جسمك، أدركت أنت حجم مخاطرها، حتى قضى الله أمراً كان مفعولاً.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد