Al Jazirah NewsPaper Monday  05/05/2008 G Issue 13003
الأثنين 29 ربيع الثاني 1429   العدد  13003
ولا يزال مسلسل ضرب الزوجات مستمراً

في تحقيق نشرته جريدة الجزيرة في عددها رقم (12912) للأخت فوزية النعيم عن ضرب الزوجات، حيث التقت بمجموعة من النساء اللاتي اشتكين مما يلاقين من أزواجهن من ضرب وإهانة دون أن يجدن مَنْ يقف بجانبهن حتى وإن أظهر تعاطفه الكبير معهن، فيبدو أن ضرب الزوجات ليس ظاهرة محلية فقط بل عالمية؛ حيث العديد من النساء في العالم يعانين من جبروت الرجل ويديه اللتين لا ترحمان ضعف المرأة، حيث في عالمنا العربي تتراوح نسبة النساء اللاتي يتعرضن للضرب على يد الرجل سواء كان أباً أو أخاً أو زوجاً ما بين 23 و28%. وحسب ما تبنته إحدى الدراسات فإن النسبة الأعلى لمن يتعرضن للضرب يكن في الأحياء الشعبية، وقد يكون مرد ذلك إلى أن المرأة لا تزال تنظر لزوجها باحترام وإجلال وإذعان أكثر من غيرها في الأحياء الراقية وفي الطبقات الاجتماعية الأعلى التي تتمتع فيها المرأة في الغالب باستقلال اقتصادي ومالي يجعلها تشعر بالندية والمنافسة للرجل؛ ولذا فهي ترفض وصايته عليها وتدخله في شؤونها أو فرض سطوته عليها سواء بالقول أو الفعل، وهذا ملاحظ ومشاهد.

ومن النظريات التي تستحق التأمل أن المرأة أو الزوجة هي التي تدفع زوجها إلى ضربها إما بسبب عنادها أو عدم طاعتها أو بسبب غيرتها الزائدة أو عدم تقديرها لظروف زوجها المالية أو الأسرية أو بسبب عصبية الزوجة وبحثها عن المشاكل أو غرورها وترفعها على الزوج إما لفوارق طبقية أو مالية أو تعليمية وثقافية أو بسبب سوء علاقتها مع أهل الزوج؛ ما يولّد في نفس الزوج حنقاً على الزوجة يدفعه إلى ضربها خاصة إذا وجد تحريضاً من طرف خارجي كوالدته أو أخته.

ومهما يكن من عذر للرجل فمن وجهة نظري أن ضرب الزوجة يعد ضعفاً في الشخصية؛ حيث يظن الكثير من الأزواج أن ضرب الزوجة والسيطرة عليها قوة في الشخصية، والمسكين لا يدرك أن المقصود بضعف الشخصية هو ضعف في شخصيته السوية والإنسانية، أما السيطرة على المرأة فهي لا تحتاج إلى عضلات مفتولة بل قد تحتاج إلى صرخة من فم الرجل لتعيش المرأة بقية حياتها في رعب وخوف منه.

ومن الرسومات الكاريكاتورية المعبرة التي رأيتها قبل سنوات ذلك الرسم الذي يظهر فيه رجل وهو بين زوجتيه الاثنتين والابتسامة تملأ وجهه وهو يقول (أحاول أن أكون عادلاً بين زوجتَي الاثنتين في كل شيء)، وتظهر الزوجتان وعلامات الضرب متماثلة ومتطابقة بهما، وعلى فم كل واحدة منهما شريط لاصق كناية عن سياسة تكميم الأفواه التي يتبعها بعض الأزواج. وقد أظهر هذا الرسم مدى ما يتمتع به الزوج من عدالة حتى في الضرب، وأخشى أن يكون عادلاً حتى في القتل فتذهب الزوجتان ضحية لعدالته المزيفة.

وقد يظن البعض - من كثرة ما يسمع - أن ضرب المرأة عادة عربية متوارثة وليس للغرب نصيب منها، وهذا خلاف الواقع؛ حيث للأديب الفرنسي ألكسندر دوماس عبارة يقول فيها (المرأة الفرنسية كشرائح اللحم كلما ضربتها أكثر ازدادت رقة وليونة)، بل وفي إحدى الجزر الإسبانية طبع أحدهم كتاباً ووزعه يُثقّف ويُعلّم فيه معشر الرجال ويدربهم كيف يضربون زوجاتهم، وقد ثارت عليه النساء؛ ما عرضه للمحاكمة.

وقد يهون ضرب الزوجة أمام ذبحها كما فعل أحدهم عندما ذبحها لرفضها تسليمه راتبها! والغريب في هذه الحادثة أن الزوج كان قبل أشهر قد تسبب في إجهاضها بعد أن ضربها ضرباً مبرحاً، فعادت إليه بعد أن أجبرها أهلها على الرجوع إليه ليذبحها وهي نائمة بعد أن استهان بها، وبعد أن رأى موقف أهلها المناصر له.

وأذكر قبل سنوات أنني شاهدت استفتاء يتضمن طرح سؤال على مجموعة من النساء، ومن المدهش أن إجابة الغالبية العظمى منهن تعطي الرجل الحق في ضرب وتأديب زوجته إذا عصته أو لم تطع أوامره.

ومما قد لا يفطن إليه الكثير أن الآثار التي تنتج عن ضرب الزوجة تختفي بمرور السنين والأيام، ولكن تبقى آثار الإهانة والسب عالقة في قلب ومخيلة الزوجة، وهذا ما نبه وحذر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: (يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد..). وإذا تجاوزت الزوجة وتغاضت عن ذلك وداست على كرامتها وتحملت زوجها وغلظته فهل سينسى أولاد ذلك الزوج أمهم وهم يرونها تُضرب ليلاً ونهاراً، ويُبصق في وجهها؟! فمثل ذلك يؤثر بلا أدنى شك على الأولاد حاضراً ومستقبلاً، فإذا كانت الأم تُضرب وهي لها قيمة ومنزلة عند والدهم، فكيف بهم؟ حيث سيشعرون بأنهم في خطر وأنهم قد يضربون في أي لحظة، وهذا الشعور بعدم الأمان هو الذي سيولد لديهم الشعور بالقلق والاضطرابات النفسية التي هي منشأ الأمراض العضوية والنفسية.

ومما يدعو إلى التأمل والاستغراب أن البعض يتعفف وتمنعه رجولته من مجرد رفع يده في وجه امرأة في الشارع مهما فعلت في حقه، ولكن مع زوجته تجده يتلذذ في تعذيبها ولا يرى في ذلك بأساً، فهل خوفه من نظرة الناس هو ما يمنعه من ضرب تلك المرأة التي في الشارع؟! وهل يجب على المرأة أن تتعلم فنون القتال كالكاراتيه والجودو والملاكمة حتى تستطيع ردع زوجها والدفاع عن نفسها عند الضرورة خاصة إذا لم تمنع الرجولة والأخلاق زوجها من ضربها وهو يعلم أنه لا حول لها ولا قوة؟

ومما يستفزني عندما يأتي أحدهم ويقول في وجه رجل ظالم يضرب زوجته إن المرأة ليست حيواناً لتضربها بل هي إنسان من لحم ودم، وكأن الحيوان ليس من لحم ودم، بل وكأن الحيوان لا يشعر ويعاني ويتألم.

ومما يستفزني أكثر عندما تأتي منظمة دولية وتهاجم البلدان العربية والإسلامية بدعوى عدم احترامهم النساء دون أن تشير مجرد إشارة إلى العديد من البلدان الغربية التي بها أكثر من ذلك.

وما يستفزني كذلك عندما تضرب الزوجة فتذهب إلى أهلها شاكية وباكية فيقال لها اصبري لعل الله أن يهديه خوفاً من طلاقها، وعندما تنجب منه عشرة من الأولاد والبنات يقال لها هذه مشكلتك، وعليك حلها بطريقتك مع زوجك، فنحن ليس لنا أدنى علاقة، ولكن تذكري أنك لن تجدي من يتحمل أولادك ويحبهم سوى والدهم، فأهلها والمجتمع يرون أنه يجب عليها أن تضحي وأن تعرف كيف تكسب قلب زوجها، وتكون عاقلة وحكيمة تعرف كيف تدير حياتها، وإذا رفضت كل ذلك اتهموها بالتمرد وبنقصان العقل.

وقد يكون لأهل هذه الزوجة عذرهم، ولكن ما هو عذر المجتمع بكامله؛ فدولة مثل كندا يوجد بها مئة وأربع عشرة جمعية تقوم بمساعدة وعلاج الأزواج العدوانيين الذين يمارسون العنف مع زوجاتهم، وفي بعض الدول الغربية توجد شرطة خاصة لإنقاذ الزوجات عند تعرضهن للضرب، وهي تحاكي قوات التدخل السريع؛ حيث هناك في الغرب عنف زائد يصل إلى القتل أو محاولة القتل بنسبة تصل إلى 42% من حالات الضرب، هذه النسبة في أمريكا فقط، كما أن ضرب النساء الحوامل منتشر بقوة.

ومما لا يزال راسخاً في ذاكرتي أنني شاهدت قبل سنوات في قناة فضائية امرأة تبكي بحرقة حيث تعاني من ضرب زوجها لها، وكانت تقول (منعت وزارة التربية والتعليم ضرب الطلاب في المدارس، ومنعت الدول المتحضرة عقوبة الضرب في السجون ومراكز الشرطة حتى لغرض انتزاع الاعترافات، فمتى نجد جهة تتبنى منع ضرب الزوجات مهما كانت الأسباب؟).

ورسالتي للمرأة: لا تصمتي عندما يضربك زوجك أول مرة؛ لأنه بصمتك وسكوتك تعطين زوجك الضوء الأخضر لضربك في كل مرة، تحدث بينكما مشكلة؛ فبعض الأزواج يعتقد أن ضرب زوجته هو اختبار لردة فعلها، وفي حال سكتت فهذا يعني أنها اختارت أسلوب الضرب معها لحسم الخلافات التي تنشأ بينها وبين زوجها. أما الرسالة التي أجزم بأن كل امرأة ترغب في إهدائها لزوجها فهي: (قد أرضى أن أعيش مع زوج لا أحبه ولكنه يحترمني، ولكن لن أرضى أن أعيش مع زوج يحبني ولكنه لا يحترمني).

علي بن زيد القرون
المحكمة الجزئية بالرياض



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد