Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/05/2008 G Issue 13009
الأحد 06 جمادى الأول 1429   العدد  13009
بعض من أخلاق الغرب
د. عبدالرحمن بن سعود بن ناصر الهواوي

نحن قد نستغرب ونشمئز مما نسمعه ونشاهده في وسائل الإعلام في وقتنا الحاضر عما يحصل في بعض دول أوروبا وأمريكا من جرائم أخلاقية، وخصوصاً ما يحدث من اعتداءات جنسية من قبل الآباء على بناتهم ومحارمهم، وما يحدث من شذوذ جنسي حتى في الكنائس،

وهذا في حقيقة الأمر ليس بغريب عليهم فعله، إذا اطّلع الإنسان على تراثهم الثقافي والفلسفي منذ عصورهم القديمة والوسطى والحديثة والتي أطلقوا عليها عصور التنوير والمشكلة أن الغرب قد نجح في نشر ثقافته الأخلاقية في الدول الضعيفة والفقيرة التي استعمرها، وهو يعمل الآن بما يملكه من وسائل إعلام متطورة على بث أخلاقياته السيئة على الشعوب الأخرى والتي لاتزال في بداية تفسخها الاجتماعي، وهو في هذا النهج يحاول أن يسيطر على هذه الشعوب ونحن هنا سنتطرق إلى شخصية غربية تعتبر عندهم من المصلحين الاجتماعيين واسم هذا المصلح الاجتماعي كما يقول الغرب هو شارل فورييه Fourier المولود في سنة 1772م والمتوفي في سنة 1837م، وهو فرنسي الجنسية.

يقول عبدالرحمن بدوي في موسوعته الفلسفية (1984م): مؤلفات فورييه - إلى جانب غرابة عنواناتها - غريبة التصنيف: فهي سيئة التأليف، حافلة بالتكرار، رديئة العبارة، مشوشة الموضوعات.. وتقوم آراء فورييه في الإصلاح على أساس نقده للمدنية، فقد رأى في المدينة تقائض عديدة وعنيفة، النزاع بين الجنسين: فالمرأة ضحية، ولكنها بدورها تنتقم لنفسها من الرجال بالكذب وعدم الأمانة الزوجية مما يولد ألواناً جديدة من الاضطرابات في حياة الإنسان، والنزاع بين الآباء والأبناء، وعلى وجه العموم: النزاع بين الأجيال مما يولد منازعات وانفعالات، وشهوات: فالشباب يطلبون الغرام، والرجال يطلبون المجد، الأولون تحركهم العواطف الغرامية، والآخرون تحركهم المطامح والمطامع، والرجال يريدون فرض سلطانهم على الشباب، فيحاول هؤلاء الانتقام عن طريق التمرد والثورة والعنف (هذه كانت حال شعوب أوروبا منذ عدة قرون فما بالك بهم اليوم)..

ويتساءل فورييه: كيف يمكن التخلص من تناقضات هذه المدنية؟.. ليس هناك إلا أحد حلين: الحل الذي يقترحه الأخلاقيون، والحل الذي يقترحه العلم الديني والاجتماعي الذي أسسه فورييه.. إن الأخلاق - هكذا يقول فورييه - ليست إلا (عنفاً مزوقاً) والقيمة التي نعزوها إلى الأخلاق ليست إلا إقراراً بأننا لم نستطع حتى الآن أن نحدث الانسجام بين الوجدانات (يجب أن نلاحظ هنا أن هذا الذي نعتوه بالمصلح الاجتماعي، يستبعد الأخلاق من الحياة الإنسانية) ويرد فورييه على اتهام الأخلاقيين له بالطوباوية بأن يرد عليهم فيقول: (بل الأخلاق هي الطوباوية خطة غير عملية للإصلاح الاجتماعي، أي وهم، خيال)، لأنها هي الحلم بالخير دون تقديم الوسيلة لتحقيقه ودون منهج فعّال) والقاعدة الأخلاقية لاتترك لها في النهاية إلا الخيار بين أمرين: اليأس، أو النفاق. (إن الأخلاق تقود إلى الدمار كل من يحاول تطبيق مبادئها بدقة، بينما هي - أي الأخلاق - تؤدي إلى نجاح من يتخذ منها قناعاً ولا يتخذ منها مرشداً أو دليلاً) وبيان ذلك أن من المستحيل القضاء على الغرائز والشهوات.. واشتهر فورييه بأنه الداعي إلى تقسيم المجتمع إلى تجمعات مستقلة أطلق عليها اسم الفلنستيرات - الكتائبية (مستعمرات تعاونية)- .. والفكرة الأساسية في مشروعه هذا إمكان إشباع كل الأذواق حتى الشاذة منها.. ويقول بدوي: وفي الفنستير يلعب الإشباع الجنسي دوراً لايقل أهمية عن دور لذائذ المائدة ويسترسل فورييه في هذا الموضوع ويخوض في تفصيلات تتنافى مع القوانين المرعية - آنذاك واليوم أيضاً - ليتمكن أعضاء الفلنستير من تحقيق شهواتهم الجنسية وحتى تلك التي يخجلون من الإفصاح عنها، ولكنهم ينطلقون إلى تحقيقها سراً، فنجده يشير إلى اللواط والسحاق والاستمتاع بالرؤية الجنسية، والسادية، والمازوخية، والعربدة الجماعية.. الخ، والناس الذين يشاهدون ما يجري في مجتمع (الترخص) الحالي لايدهشون مما قاله فورييه ولاينظرون إليه على أنه تهويمات إنسان شاذ مصاب بداء الجنس، أما في ذلك الوقت وإلى وقت قريب جداً لا يتجاوز عشرين سنة، فقد كان ينظر إلى كتابات فورييه في هذا الباب على أنها هلوسة مجنون بالجنس، ولو قورن ما قاله بما يقوله في هذه الأعوام الأخيرة (مفكرون) و(أطباء) مثل هربرت مركوزه والدكتور لرس الرستام، والطبيب السويدي (في كتابه: (الأقليات الجنسية) ترجمة فرنسية، باريس سنة 1965م، لبدا محتشماً عفيفاً محافظاً!، ويعتقد فورييه أن الإنسان الذي يستمتع بكل ما يهوى من ملذات ويتنقل من شهوة إلى شهوة، سيشعر طوال حياته بالانسجام، وبالحضور العيني الملموس للعناية الكلية.

وعند فورييه أن البرهان الوحيد المقنع على وجود الله هو السعادة، والسعادة هي الاستمتاع بإشباع كل الشهوات.

نقول: هذا بعض من سلوكيات وأخلاق ومبادئ الغرب، وعلى الإنسان أن لا يستغرب ما يضعونه في بعض الشعوب من قتل وتدمير ونهب للثروات؛ لأن ثقافاتهم وفلسفاتهم متأصلة فيهم، ويعملون على وحيها.

الرياض: 11642 - ص.ب 87416


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5834 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد