Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/05/2008 G Issue 13009
الأحد 06 جمادى الأول 1429   العدد  13009
اختصاص الهيئة ومشكلات الفقر والبطالة وتضخم الأسعار...!
د. عبد المجيد بن محمد الجلال

لو أُجريت إحصائية حول أكثر الموضوعات التي تتمحور حولها الكتابات الصحفية الراهنة، سواء ما يتعلق منها بالخبر، أو التقرير، أو المقال، فقد يحتل موضوع: هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووظائفها، الصدارة، وبلا منازع.

وهذا مؤشر مهم على استمرار حالة التجاذب الفكري بين أطياف المجتمع المختلفة حيال نشاط الهيئة ودورها داخل المجتمع السعودي. وقد يكون من إيجابيات هذا التجاذب إسهامه في تعزيز الحوار الوطني حول مختلف قضايا المجتمع ومشكلاته، وطرح الأفكار والرؤى ذات الصبغة الموضوعية سواء ما يتعلق منها بالجوانب الهيكلية والتنظيمية لجهاز الهيئة، أو تلك المتعلقة بإجراءات الضبط والمتابعة.

ومن الأطروحات بهذا الخصوص تلك المطالبة بتحديد الصلاحيات والمهام، لمعالجة الازدواجية الناشئة من تداخل اختصاص الهيئة مع جهات أمنية أخرى.

ولكن هذا الطرح ربما يعكس عدم الإلمام الكافي بالموضوع محل البحث، وبطبيعة النظم الإدارية الحاكمة لكل المؤسسات والجهات العاملة في الدولة، المحددة لكافة المهام والصلاحيات، وربما يعكس كذلك وجود حالة من المزج والخلط بين المهام والصلاحيات المنصوص عليها من جهة. والاجتهادات الفردية من جهة أخرى.

على أية حال فإنَّ الإطار العام لطبيعة وظائف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منبثق من نصوص نظام الهيئة الصادر في عام 1400هـ، خاصة المادة التاسعة من الباب الرابع، والتي نصت على أنَّ (من أهم واجبات هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرشاد الناس، ونصحهم لاتباع الواجبات الدينية المقررة في الشريعة الإسلامية، وحمل الناس على أدائها، وكذلك النهي عن المنكر بما يحول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات شرعاً، أو اتباع العادات والتقاليد السيئة، أو البدع المنكرة..)

وقد تولت اللائحة التنفيذية لنظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصادرة بتاريخ 1407هـ، في مادتها الأولى تفصيل الواجبات التي حددتها هذه المادة، ويمكن الرجوع إليها لمن أراد أن يطَّلع على تفاصيل هذه المسألة.

ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إطار عام يصعب تجزئته، أو اختزاله، ولمعالجة احتمالية تداخل اختصاصات الهيئة مع الجهات الأمنية الأخرى، فقد نصَّ النظام على ضرورة اعتماد آلية للتنسيق والمتابعة تكفل تنفيذ المهام بالشفافية المطلوبة، في إطار احترام حقوق الأفراد وكرامتهم. فجاء في المادة الثانية عشرة من نظام الهيئة نفسه (للهيئة حق المشاركة في مراقبة الممنوعات مما له تأثير على العقائد، أو السلوك، أو الآداب العامة مع الجهات المختصة، وطبقاً للأوامر والتعليمات، وتحدد اللائحة كيفية مشاركة الهيئة في المراقبة).

انطلاقاً من هذه الأنظمة واللوائح، والمهام والاختصاصات، تعمل الهيئة في إطار واضح محدد، ووجود بعض الاجتهادات الفردية الخاطئة لا يعني وجود خلل في طبيعة هذه المهام والاختصاصات، فالعمل البشري، بطبيعته مظَّنة للخطأ، وتسعى الهيئة قدر استطاعتها لمعالجة هذه الثغرات أو الأخطاء، بالتوجيه والمتابعة والمحاسبة، والتشديد على أهمية الالتزام بنظام الهيئة سواء بما يتعلق بعناصر الاختصاص، أو الآليات والإجراءات، كما أنهَّا تعمل وفق خطة تدريبية مبرمجة على صقل قدرات منسوبيها، ورفع مستوى أدائهم الوظيفي، وتحسين مهارات التعامل مع المخالف، وتعزيز درايتهم بالعلوم الشرعية ذات الصلة بفقه الاحتساب، وضوابطه الشرعية، إضافة إلى الالتزام بإجراءات الضبط والمتابعة بموجب النظم واللوائح والتعليمات، ووفق قواعد نظام الإجراءات الجزائية، وتغليب الرفق واللين والحلم والأناة، في كل خطوات تنفيذ المهام. و في هذا السياق تزمع الهيئة إنشاء مركز متخصص لتدريب منسوبي الهيئة العاملين في الميدان، وتزويدهم باحتياجاتهم من العلوم الشرعية والإدارية وفنون التنمية البشرية. وعلى صعيد آخر تعمل الهيئة على إجراء الدراسات والبحوث لتطوير مجمل العمل الاحتسابي، ومعالجة المشكلات الميدانية.

ووفق رؤية مستقبلية علمية تمَّ اعتماد إستراتيجية التطوير الشاملة للهيئة بأهدافها وسياساتها وبرامجها، وبما يعد نقلة نوعية مميزة، تستهدف إجمالاً الوصول إلى أقصى فعالية ممكنة في أساليب الأداء والممارسة، والحد بالتالي، وبدرجة كبيرة نسبياً من عدد القضايا أو الإشكالات المصاحبة للاجتهادات الفردية الخاطئة.

وإذا كانت بعض الأطروحات تتجه إلى المطالبة بتضييق صلاحيات الهيئة ومهامها، كما أشرنا إلى ذلك، فإنَّه، وبالمقابل، تتجه أطروحات أخرى إلى العكس من ذلك تماماً، إذ تطالب بتوسيع صلاحيات الهيئة، ومهامها، وإشراكها في معالجة بعض المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مثل مشكلات: الفقر، والبطالة، وتضخم الأسعار!!!

إذا نظرنا إلى هذه المسألة من زاوية المعالجة التوعوية، فإنَّ جهاز الهيئة في إطار مناشطه المبرمجة (الندوات، المحاضرات، الكلمات التوجيهية، الزيارات) يشارك بفعالية في مناقشة الكثير من مشكلات المجتمع الراهنة، وأسبابها، وكيفية معالجتها. أما إذا نظرنا إلى المسألة نفسها من زاوية المعالجة المادية المتخصصة، فإنَّ طبيعة المجتمعات المعاصرة، وتقسيمات الدولة الحديثة، والنظم واللوائح الحاكمة، تفرض تقسيم العمل، وتوزيع المهام، على كافة مؤسسات المجتمع الفاعلة، حسب التخصصات المتاحة، في إطار الشراكة المجتمعية في البناء والتنمية والتطوير. ومن ثمَّ فإنَّ لمشكلات الفقر والبطالة وغلاء الأسعار، ونحوها من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية جهات بعينها، تتولى الدراسة والمعالجة بموجب التخصص وتوجيه المقام السامي، والمتابع للشأن المحلي يجد حراكاً فكرياً واسعاً في هذا المجال، لتقويم السياسات ذات الصلة بمعالجة هذه المشكلات، والتنبيه إلى أوجه الخلل والقصور. وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّ الرشد الإداري يفترض أن تمارس كل جهة من جهات القطاع العام المهام الموكولة إليها بموجب النظم والتعليمات واللوائح، وأن تعمل على تحقيق أقصى فعالية ممكنة في أساليب الأداء والإنتاجية. والهيئة جهاز عام يخضع لهذه الأسس والمعايير، والمطالبة بإشراكه رغم موارده البشرية والمادية المحدودة، في المعالجة المادية لمشكلات المجتمع الأخرى الخارجة عن نطاق اختصاصه، مطالبة في غير محلها، بل خلطٌ بين مهام عدة جهات عامة، وواجباتها، وتحميل هذا الجهاز مسؤوليات وتبعات لا تمت إلى مهامه بصلة مباشرة.

في المحصلة النهائية، ومع استمرار الجدل بين المطالبين بتضييق الصلاحيات أوتوسيعها، ستظل الهيئة تمارس المهام الموكولة إليها، في إطار احترام حقوق الإنسان، وخصوصياته، وهي بحاجة إلى الدعم المادي، خاصة في مجال مخصصات التدريب والابتعاث، والبحوث والدراسات، وبعض الخدمات المساندة مثل خدمات الاتصال اللاسلكي.

وقد يكون من الملائم إزاء تحديات المرحلة الراهنة، واستمرار التجاذب الفكري حيال مهام الهيئة، النظر في دعم فكرة إنشاء قناة فضائية متخصصة تُعنى بنشر ثقافة الاحتساب، والانفتاح على القاعدة المجتمعية لتجسير الأفكار والرؤى، وتوسيع عناصر الالتقاء والاتفاق، وتضييق عناصر التقاطع والاختلاف، بما يساعد على الوفاء برسالة الحسبة في حراسة الفضائل ومحاربة الرذائل، وتحقيق الأمن الأخلاقي للمجتمع، اتباعا للتوجيه الرباني العظيم، ثمَّ لما ورد في المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي للحكم، والتي جاء فيها (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).














 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد