Al Jazirah NewsPaper Monday  12/05/2008 G Issue 13010
الأثنين 07 جمادى الأول 1429   العدد  13010
بين قولين
حضيض الأحلام
عبدالحفيظ الشمري

لكي لا ندخل في صراعٍ كلامي أو تجاذبات ذهنية عن ماهية المقصود وغير المقصود بأمر الناقد والمنقود في مجتمعاتنا، فلا يعنينا أمر النقد هنا ولسنا في طور تحديد منهم أهل الحضيض أو أهل القمة، إنما يقيننا أن نجعل الأمر في إطار عام وأشمل، لنقول إن العالم الثالث تكثر فيه الأحلام والأوهام ككثرة الواقع الناجح في عوامل أخرى، فقد يكون منصفاً من اخترع هذا النعت الذي يحدد العالم بأبعاد ثلاثة أهمها في تضاعيف مقولتنا هو (العالم الثالث) فليته اخترع أيضاً عالماً رابعاً وخامساً وعاشراً لنصنف ذواتنا وحالتنا وجهدنا العلمي والمعرفي في سياق هذه الفئات، بل وإذا ما أردنا أن نخسف بأحد ممن حولنا أن نسمه بدلاً من الثالثي المتخلف بالتساعي أو العاشري إمعاناً في ما نحسب أنه تقريعاً له.. فيا قلب أحزن لكن بحدود ووقار يليق بك.

موضوع حضيض الأحلام في عالمنا الثالث هو مصيبتنا الأم، فحينما يريد المواطن أن يحلم يكبر لقمة الحلم ومن ثم (يغص) يَزْوَرُّ فيها على نحو حلمهم بتضاعف سعر أسهمهم بشركة أو مؤسسة أو مصرف، أو حتى حلم أحدهم بسكن مناسب أو زوجة جميلة قليلة الكلام أو رحلة سفر غرباً أو شرقاً أو حتى لبلاد مجاورة، لكن المصيبة أن هؤلاء الذين يمارسون مثل هذه الأحلام غالباً ما يصابون بمرض النسيان، ففي كل مرة يحلمون فيها ويهزمون يعاودون الكرة وكأنهم لم يلدغوا من جحر تلك الأحلم المتربص بعقولهم.. ويا قلب أبكي هنا ولا شأن لي بك.

في عالمنا الثالثي يجدر بنا أن نؤرخ للأحلام ونحدد حقبها وأزمانها وأن نكون أكثر كرماً في أسباغ صور الخيالية على البعض منها على نحو ما نفعله بقصص أمجادنا وبطولاتنا والنخوة والأساطير الأخرى، فالأحلام الكبيرة أو الصغيرة قد تكون غير مجدية، وإن كنا نعتقد بقوة أننا سنعاني التعب إن فكرنا في البحث طموحاتنا الصغيرة، فكلها كبيرة ولا يستطيع العقل أن يجاريها لكن في النهاية تتهاوى إلى الحضيض شأنها شأن مثيلاتها من الوعود والتأملات والخيالات الواهية ببلوغ ذلك الشفق البعيد.. يا قلب مالي ولك احزن على مزاجك وأنا أحزن على راحتي متى ما وجدت فرصة ملائمة للحزن على مآل أحلامي.

أحياناً ودون سابق إنذار تهجم عليك الأحلام وكأنها وحش كاسر، لتفترسك وتبين لك أنك معتوه إن لم تقارع من حولك الحجة بقوة حلمك وضخامة أمانيك، بل إن التاريخ قليلاً ما يكون على الحياد، فو لا يلبث أن يُذكرك على نحو عرضي بسيرة أحد الحالمين في عالمنا، إذ ظل يرائي بحلمه أمام الملأ وعلى المكشوف أن يرى ابنه الأول يريده طياراً - لا أذكر أهو طيار حربي أو قائد جامبو عملاقة- والآخر ظل يحلم فيه أن يكون مهندساً، أم الحلم اللطيف فقد ذخره لابنته الوحيدة حينما تجشم عناء الأحلام وفتش عنه مهنة شريفة ونبيلة هي الطب لكن أحلامه سرعان ما تدحرجت من القمة لتهوي إلى الحضيض، فواحد دخل المعهد المهني وتخرج بشهادة (لحام توانك، وسلالم حديد مدبول)، والآخر يدور بشهادته دبلوم شهرين في مجال الحاسب إدخال بيانات، أما البنت فإنها أنجزت شيئاً مذهلاً إذ تخرجت من الجامعة بتقدير مقبول وهي الآن تذرع الشوارع معه بحثاً عن وظيفة مناسبة لتحصيلها لمحدود.. فأقول لك: يا قلب أجدى أن تقلبها مناحة على كيفك فلن يسمعك أحد حتى وإذ ذهبت إلى كل العوامل، الصناعي المتطور، والعالم الثاني المحنك بدهاء العصر، أو الثالثي المصاب بنكبات أحلام أهله الخرقاء.



hrbda2000@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد