Al Jazirah NewsPaper Monday  12/05/2008 G Issue 13010
الأثنين 07 جمادى الأول 1429   العدد  13010
اختيار التعليم
بِر أنكِل - ستوكهولم

إن أداء دول الشمال الإسكندنافية طيب على الصعيد الاقتصادي، ويرجع جزء من السبب وراء هذا الأداء الطيب إلى حرص هذه الدول على إصلاح (نموذجها الاجتماعي) تدريجياً، وتكييفه مع الحقائق الجديدة على نحو يتسم بالاستجابة لمطالب الناس. بيد أن هذا التغيير لا تتفرد به دول الشمال دون غيرها، بل إن غيرها من دول العالم تستطيع محاكاته.

من الواضح أن مثل هذه السياسة تتطلب استثمارات ضخمة في البحوث والتنمية؛ فالسويد على سبيل المثال، تستثمر في هذا المجال أكثر من أي دولة أوروبية أخرى - بمستويات تتجاوز كثيراً نسبة ال3% من الناتج المحلي الإجمالي التي حددها الاتحاد الأوروبي. والعديد من البلدان تستثمر أقل من هذه النسبة، وحتى نسبة ال4% التي تستثمرها السويد من ناتجها المحلي الإجمالي في هذا المجال قد لا تكون كافية، نظراً لمستويات الإنفاق المرتفعة على البحوث والتنمية في الصين، والهند، والولايات المتحدة، فضلاً عن ذلك فإن الاستثمارات الضخمة في مجال البحوث والتنمية قد تستند إلى استخدام محدود للمعرفة، وقد لا يمكن تحويلها بالتالي إلى تطبيقات عملية ناجحة. إذ إن الأمر يتطلب تبني سياسيات تغطي كل شيء، بداية من التدريب في مرحلة رياض الأطفال إلى التعاون بين الجامعات والشركات، علاوة على إيجاد مناخ عمل شامل يكافئ النجاح ولا يتعامل مع الفشل باعتباره كارثة إنسانية. ويعتمد نجاح الولايات المتحدة في هذا المجال إلى حد كبير على هذه النوعية من التفكير. لكن من المؤسف أن أغلب الأنظمة التعليمية الأوروبية تقوم على ممارسات ونظريات عتيقة. فرغم التنويع التدريجي الذي شهدته الهياكل والمؤسسات التعليمية، إلا أن نقاط الضعف والنقائص التي تعاني منها أغلب الأنظمة التعليمية الأوروبية تظل قائمة: فالخيارات المتاحة أمام الطلاب محدودة للغاية، وإذا ما أراد المعلمون أن يستمروا في مزاولة مهنتهم فلابد وأن يلتزموا بأساليب تعليمية شديدة الانقسام والتجزئة.

وكما هي الحال في الاحتكارات التجارية، فإن الزبائن (الطلاب) كثيراً ما يُنظَر إليهم باعتبارهم كتلة واحدة متجانسة، حيث يمكن تعليم كل الطلاب طبقاً لنفس الأسلوب التعليمي. لكن لابد وأن تكون المدارس قادرة على الوفاء باحتياجات الأطفال كأفراد والتعامل مع قدراتهم على النحو الذي يجعل من التعليم مغامرة مثيرة ومحفزة.

ربما تجد الدول الأخرى في النظام السويدي ما يستحق الدراسة، إذ يتم تمويل مدارسها بواسطة جمعيات محلية، وتعمل هذه المدارس في إطار المناهج الوطنية المصممة من قِبَل البرلمان والحكومة. ولكن رغم التزام الجميع بهذه القواعد، إلا أن المدارس تدار بأسلوب تنافسي. ويستطيع الجميع - الآباء والمعلمون، بل وحتى الشركات - أن يتقدموا بطلب للحصول على ترخيص بإدارة مدرسة. وهيئة المدارس الوطنية ملزمة، من حيث المبدأ، بالموافقة على أي طلب إذا ما ارتأت أن المدرسة المقترحة من المرجح أن تحقق الأهداف الوطنية وأنها تستند إلى أساس مالي متين. فضلاً عن ذلك فإن السويد لا تنظر إلى المدارس الخاصة باعتبارها مكملاً للمدارس العامة، بل باعتبارها بديلاً تام النضوج، وعلى هذا فهي ليست ملزمة بأن تعرض شيئاً مختلفاً. والمجتمع الذي تعرض فيه إحدى المدارس الخاصة تقديم خدماتها فلابد وأن يدعمها بنفس القدر من الأموال أو الضمانات التي يقدمها عن كل طالب للمدارس العامة. وهذا يعني أن التمويل المخصص لكل طالب في المدارس الخاصة يتساوى مع نظيره في المدارس العامة، والمدارس التي تحصل على التمويل لا يجوز لها أن تطالب برسوم إضافية.

بعد تبني هذا النظام في التسعينيات، تم إنشاء العديد من المدارس غير العامة. وكان الرواد في هذا المجال غالباً من الآباء أو المعلمين التعاونيين، وكانوا عادة يتبنون فلسفة تعليمية خاصة. وفيما بعد لعبت الشركات التي أدارت سلاسل من المدارس دوراً على قدر عظيم من الأهمية.

ونتيجة لهذا تزايد تنوع المدارس في مختلف أنحاء السويد، كما سمح نظام الضمانات المالية لكل طالب، بصرف النظر عن دخل أسرته، بالالتحاق بالمدرسة التي يختارها. وحتى المناطق الريفية أصبحت الآن تحتوي على خيارات متعددة من المدارس، ويبدو أن المنافسة نجحت في تحسين الجودة الإجمالية للمدارس في السويد، حيث كان مجرد وجود المدارس غير العامة سبباً في المطالبة بإصلاح المدارس العامة. وإن كان هناك أي فارق واضح فهو يتلخص في أن المدارس غير العامة في أغلب الأحوال أفضل من المدارس العامة في التعامل مع الأطفال الذين يواجهون مشاكل في التعلم.

هناك بطبيعة الحال العديد من البدائل لما فعلته السويد لتنشيط التعليم لديها. إلا أن الإصلاح الذي تبنته السويد يشتمل على ثلاث سمات تبدو مهمة بصورة خاصة: فقد كان مبنياً على الجمع بين النظام العام ونظام السوق؛ فهو يتسم بالعمومية في هيئته، ولا يلزم المدارس غير العامة بأن تكون ذات طبيعة خاصة لكي تحصل على الترخيص؛ كما أنه يغطي كل الطلاب.

ربما كان النظام التعليمي في السويد من أكثر الأنظمة من نوعه طموحاً في العالم. وهو ما يجعله جديراً بالاهتمام إلى هذه الدرجة، إذ تمكن مبدأ المنافسة الذي يعتمد عليه من ترسيخ جذوره في بلد حيث لم تكن المنافسة في مجال الخدمات العامة أمراً مقبولاً.

بِر أنكِل
وزير التعليم والعلوم الأسبق في السويد.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت - خاص بالجزيرة





 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد