Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/05/2008 G Issue 13012
الاربعاء 09 جمادى الأول 1429   العدد  13012
العنف الأسري.. ثقافة أم نزعة؟
محمد بن عيسى الكنعان

جرّب أن ترصد حالات (العنف الأسري) التي تقع لدينا، من خلال ما تنشره صحفنا المحلية على مدار أسبوع واحد بغض النظر عن ملابسات الجريمة في ثنايا الحالة أو درجة العنف في أحداثها، فسوف تصطدم بوقائع اجتماعية مروعة تفتح باب التساؤلات المنطقية.

على مصراعيه، بدايةً بالاستفهام عن سبب العنف؟ ونهاية باستنكار الجريمة الأسرية؟، حتى تتحول تلك التساؤلات إلى رغبة جادة في محاولة كشف (الحقيقة الغائبة) بين طيات هذا الملف المثقل بأسرار عائلية وخفايا إنسانية، طالما تجاوزناها بتبريرات جاهزة، أو قللنا من حجم فداحتها وعمق أثرها السلبي في نسيجنا الاجتماعي، عندما تكون تلك الجدية سؤالاً حاداً في خيارته بين (الثقافة الاجتماعية) أو (النزعة الفردية)، بمعنى أوضح: هل العنف الأسري في حياتنا اليومية نتيجة ثقافة اجتماعية متراكمة أم هو نتاج نزعة فردية عابرة؟

ما الذي يدفع أب يُفترض فيه أن يحمل كل معاني الأبوة الصادقة في قلبه إلى أن يتحول إلى ذئب يفترس طفلته؟ ما الذي يدفع أم هي في الحقيقة الإنسانية منبع الرحمة ومحضن الحنان لتقوم على تعذيب طفلها؟ ما الذي يدفع زوج أعُطي القوامة ليكون قيماً واعياً على أسرته فكان جلاداً عاتياً للأم أمام أبنائها وكأنها من سقط المتاع؟ لماذا هذا السجل الأسود من جرائم العنف الأسري بين تعذيب أطفال وحبس بنات وضرب زوجات؟، إلى تفاقم الحال المريع فاستيقظنا على ما هو أفظع من قتل النفس أو التحرش الجنسي، هذه الأسئلة وغيرها هي التي تحاصرنا بالخيار المرّ: جريمة العنف ثقافة أم نزعة؟

وكي نصل للب الحقيقة أو على الأقل نلامس شغافها، لابد أن نواجه أنفسنا بحقيقةٍ أكبر منها، وهي أننا شعب كبقية شعوب الأرض، فلسنا ملائكة هبطنا من السماء أو شياطين نبتنا من الأرض، إنما أبناء آدم عليه السلام، نشترك مع الآخرين في وجود ثلاثة مقومات بشرية (الجسد والنفس والعقل)، ما يعني أن هذه المقومات هي التي توجه تصوراتنا العقلية، وتتحكم بتصرفاتنا السلوكية، وتحدد علاقاتنا الإنسانية، بفعل مؤثرات خارجية رئيسة نخضع لها منذ الأيام الأولى للحياة، تبدأ بالتربية الأسرية، وتمر بالثقافة الاجتماعية والمؤسسة التعليمية والتأثير الإعلامي، وتنتهي بالخلاصة الإنسانية المتفاوتة بين إنسان سوي يشارك في تنمية مجتمعه وبناء حضارة أمته أو إنسان هامشي أو إنسان يحتكر العقد النفسية في جوفه، والأفكار المريضة في عقله إلى أن يفرغها بمشهد جريمة أو طيش أو فساد في الأرض.

فهل تربيتنا الأسرية التي غيبت (الحوار) و(حرية الرأي) بين أفراد العائلة الواحدة لها ارتباط بجرائم العنف؟، وهل ثقافتنا الاجتماعية التي كرست ل(المجتمع الذكوري) وهمشت المرأة على حساب المساواة الإنسانية، التي تتحقق بتكامل الأدوار الحياتية بين المرأة والرجل كل حسب طبيعته الفطرية، والتزام كل طرف بواجبات الآخر وفق المرجعية الدينية المعتبرة، هل هذه الثقافة المنحازة أسهمت في تلك الجرائم؟ وهل مؤسستنا التعليمية التي تاهت بين إجازة (الضرب في المدارس) من باب التأديب التربوي أو منعه لأنه من (الإيذاء الجسدي)، حتى وإن تسبب في ظهور أجيال متمردة تضرب بدل أن تُضرب، هل ذلك يعد عاملاً في شيوع جرائم العنف؟ وهل الإعلام بوسائله المؤثرة وسعة انتشاره وغزارة إنتاجه، خاصة في جانب (الأفلام والمسلسلات) يشكل المحرض الأول على العنف من حيث الفكرة والطريقة والممارسة؟

إذن.. المطلوب أن نبحث عن الإجابة عن هذه الأسئلة وأن ندين كل جهة أو طرف يشترك في مسؤولية وقوع العنف، فلا يعيبنا أن ندرس واقع مجتمعنا المعاصر بكل موضوعية وأن نقوّم ثقافته بحيادية تامة، وأن نعلن رفضنا القاطع لأية عادة سلوكية سالبة أو تقليد اجتماعي رجعي يشكل رافداً للعنف الأسري، مع وجوب إقرار وإشاعة الحقوق الإنسانية لكل أفراد الأسرة، مع تفعيل كل مؤسسات المجتمع المدني المعتمدة، لأن حالات العنف التي تتجه إلى أن تكون ظاهرة، تقول إنها نتيجة (ثقافة اجتماعية) معينة، وليست مجرد نزعة فردية، إذاً فلنبحث عن تلك الإجابة لعلها تكشف حقيقة تلك الثقافة ومغذياتها الرئيسة.



kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد