Al Jazirah NewsPaper Wednesday  14/05/2008 G Issue 13012
الاربعاء 09 جمادى الأول 1429   العدد  13012
لا لحرب أهلية في لبنان ولا لإعادة إنتاج سيناريو العراق في لبنان
د. فوزية عبد الله أبو خالد

سؤال غير سياسي:

بقدر ما نحترم ويحترم المواطن العربي وكل عشاق الحق والحرية في العالم حزب الله كحركة مقاومة مشروعة للاحتلال الإسرائيلي في لبنان ولجواره الشمالي المحتل من أرض فلسطين، وبقدر ما رفعت الأيدي تحية لبطولاته سواء في تحرير جنوب لبنان عام 2000م أو لوقفته الشجاعة الباسلة في مقاومة الحرب الإسرائيلية

على لبنان صيف 2006م بما استطاع به أن يرد الاعتبار لكلمة المقاومة ولكلمة الحرية ولكلمة الاستقلال والسيادة مما كاد أن يفقد مصداقية معانيه في ظل الأنظمة العسكرية العربية في الثلث الأخير من القرن العشرين وبما حققه من نصر أعاد بدوره أيضا الهيبة لقدرة المقاومة الشعبية على هزيمة أنظمة العدوان والقمع وجيوشها النظامية, بقدر ما يقف الشارع العربي اليوم مشدوها واقف شعر الرأس ومتسائلا عن موقف حزب الله من مجرى الأحداث الخطير التي جرت هذا الأسبوع على أرض لبنان. فبينما لا تقدم معظم المصادر الإعلامية إلا شقا وحيد الجانب لصورة الرعب الراكض على أرض لبنان, فإن فضائية المنار لم تنجح إلى هذه اللحظة في تقديم خطاب واضح وصريح وشفاف عن حقيقة ما يجري أمام الكاميرات وخلفها ودوافعه وإن كنا ممن يؤمن بقوة أن الدافع النبيل لابد له من وسيلة نبيلة وأن الغاية لا تبرر الوسيلة. بل إن هناك من يرى بأن ما تقدمه قناة المنار يشبه إلى حد بعيد في عموميته وفي تعويض غياب المعلومة الموضوعية بالشعارات ما كانت تقدمه الإذاعات العربية المشهورة لدى جيل كامل في أنها كانت إذاعة البيانات التي لا تبين شيئا مع فارق موضوعي هو الفارق المعاصر في ثورة الاتصالات, ومع فارق وجداني تمثل لدى الشارع العربي بأن حزب الله في مواجهته السابقة مع إسرائيل استطاع أن يخلق مناخا من الثقة والمصداقية خالفت مخاتلات الخطابات السياسية المعتادة. وبما أن سلوك حزب الله كحركة مقاومة قد استطاع بهدف وسلوك المناهضة لعدو مشترك تجاوز صورة ومفهوم المليشيات الفئوية أي كانت صبغتها بما مكنه من أن يؤلف من القلوب والعقول حول مشروع الصمود والممانعة الذي قاد بما فيهم ذلك القطاع من المثقفين الذين لهم رؤيا وموقف من طبيعة البنى السياسية التي تقوم على اعتبارات طائفية وبصيغ مذهبية, فإن حزب الله يدين على امتداد الشارع العربي والإسلامي وبل لكل القوى العالمية التي تعاملت معه كتنظيم مقاومة مشروع ليس فقط بأن يعيد القطعة المفقودة إلى الصورة ويضع الجملة في السياق وبأن يقدم شرحا لمواقفه العسكرية والسياسية الأخيرة من مطلع شهر آيار سواء ببيروت أو الجبل وطرابلس بما قد يقود إلى حرب أهلية فادحة لا سمح الله بل إن المطلوب أكثر وبشكل أعمق من ذلك وهو أن يكون لحزب الله موقف يحفظ وحدة لبنان ويعمل على رفع سقف الديموقراطية، فلا يكون من تداعياته تجريده من هوية المقاومة أو تحويلها إلى ذكرى ولا يسمح بأي حال من الأحوال بإعادة إنتاج جيل جديد لأطفال تختطف طفولتهم خطافات حرب أهلية قد لا تحرمهم أهلية الشراكة السياسية وحسب بل قد تحرمهم نعمة الوجود الإنساني الكريم.

سؤال سياسي للإعلام:

مع أنه لم يعد جديدا وبالأخص بعد الحادي عشر من سبتمبر أن تبدي وسائل الإعلام العربي ذلك التلهف المتهافت على كل ما ينطق به الناطق الرسمي للبيت الأمريكي الأبيض في كل ما يتعلق بالحديث عن مجريات الأمور التي تعنينا والتي هي من صلب واقعنا ويفترض بأن تكون من شأننا لا من شأنه فإنني لم استطع على امتداد السنوات السبع من ذلك التاريخ أن أتعود على مثل هذا التوجه في الإعلامي العربي بل وأشعر بحنق منه وعليه ليس لأنه يكشف عن التبعية الإعلامية في عدم القدرة على رؤية أحداثنا إلا بالمنظار الأمريكي وحسب ولكن أيضا لأنه يكرس التسليم الضمني والسافر معا بدور أمريكا في إدارة أمورنا وبقدرتها على اتخاذ القرارات نيابة عنا أو على الأقل توجيهها في الوجهة التي إن لم تكن بالضرورة ترضاها فعلى الأقل لا تخالفها.

وضمن هذا التوجه فلم يعد جديداً أيضاً بل يكاد يصبح في حكم التقليد الإعلامي (الأعمى) أن تتسابق القنوات الفضائية وتتنافس على إجراء لقاء مع الرئيس الأمريكي كلما أدلهم الوضع في المنطقة أو كلما لاحت في المناخ كارثة أو نذر بكارثة. وقد كان يمكن أن أجد لهذا التوجه من مبرر وإن ساذجا لو كانت تجري المسارعة للقاء الطرف الأمريكي الرفيع بافتراض ضلوعه في الكارثة أو تسببه ولو نسبيا بها لتطرح نوعا من المساءلة عن مثل هذا الموقف إلا أن ما أراه أن الطرف الأمريكي عادة ما تتم استضافته والحرص على استنطاقه فقط باعتباره (حلال العقد) أو كما تقول الطرفة الشعبية (راعي البقر) بوصفه جزء عضوي من الحل وليس طرفا في المشكلة. أي أن الطرح يجري بشكل يشبه ذلك الشكل المتهالك الذي كان يطرحه الرئيس المصري أنوار السادات في أول مراحل (المساومات السلمية) نهاية السبعينات الميلادية، حين كان يردد بأن 99% من أوراق (الحل) بيد أمريكا مع ما كان يبدو من أنه هو نفسه لم يكن يعرف (ما الحل) الذي يردد بأن أمريكا تملك 99% من أوراقه وما إذا كان حقا هو الحل أو أنه مجرد وهم بحل يزيد تعقيدا للمشكلة بما تمخضت عنه تلك الحقبة التي لم تكن حبلى إلا بتعميم مشاريع سلام لم ينتج عنها إلا إعطاء صيغة رسمية معتمدة للاستسلام.

وفي هذا السياق على ما يبدو جاءت المقابلة التلفزيونية التي أجريت مع الرئيس الأمريكي مساء يوم الاثنين 12-5-2008 التي يبدو أنها كانت تحاول المسارعة لاستكناه (الحل الأمريكي) للكارثة التي انفجرت على أرض لبنان بعد طول احتقان.

وإذا كان من الممكن على مضض منطقة كما يقول المناطقة مسارعة الإعلام العربي لمثل هذا اللقاء برئيس أمريكا من وجهة نظر البعد الدولي للقضايا المعاصرة بشكل عام ومن موقع الهيمنة الذي تمارسه أمريكا عالميا ومشاريعها المشبوهة السياسية والعسكرية المعلن منها والمقنع في المنطقة العربية فإن مالا يمكن فهمه هو توجيه دفة الحوار مع الطرف القيادي الأمريكي وكأنه القائد الأعلى للحل وبحيث تأتي التحليلات الصحفية والسياسية في أعقاب اللقاء مجرد محاولة مستميتة لاستنتاج الحل (للكارثة) من وجهة النظر الأمريكية. وكأن الإدارة الأمريكية بعد خراب العراق باسم الإصلاح قادرة على اقتراح حلا موضوعيا يقدم مصلحة لبنان على اعتباراتها ومصالحها الخاصة بالمنطقة، وإلا أليس من المضحك المبكي أن يغرق المحللون في القلق من أن بوش عندما ذكر حزب الله فإنه لم يقرنه بتوصيفه المعتاد بأنه تنظيم إرهابي حيث اكتفي بقول بأنه كان على حزب الله أن يكون أكثر وطنية، بل إن محللا إعلاميا آخر خشي أن يكون في ذلك تحول في الموقف الأمريكي تجاه قوى الصراع في لبنان بما قد يترك القوى التي تراهن على الجانب الأمريكي مكشوفة الظهر. فهل حقا يلوح أمل لأن يحل الحوار بدل احتمال الحرب

طالما أن هناك من أصحاب الشأن أنفسهم من يحللون أجوبة الرئيس الأمريكي في مقابلة تلفزيونية بحثا عن حل.

لا لحرب أهلية ولا لإعادة إنتاج سيناريو العراق في لبنان.

هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5148 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد