Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/05/2008 G Issue 13016
الأحد 13 جمادى الأول 1429   العدد  13016
معتقلات تذهب ببقية حياة!
د. سعد بن عبدالقادر القويعي

مضى ما يقرب من ست سنوات على بدء السلطات الأمريكية بنقل أسرى الحرب من أفغانستان وغيرها إلى القاعدة العسكرية في خليج (غوانتانامو) في كوبا، والذي سيبقى حجة قصمت الوجه الديموقراطي الأمريكي المزيف، لتماديها في الاستهانة بالكرامة الإنسانية، وحرمانهم أبسط حقوقهم الإنسانية، حيث لا يزال يقبع فيه أكثر من ثلاثمائة سجين محتجزين في ظروف قاسية، وموضوعين إما في أقفاص أو زنازين انفرادية عليها حراسة مشددة.

والواقع أن قضية معتقل (غوانتانامو) تجاوزت درجة التجاذبات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة وأصبحت اليوم ذات أثر عالمي على عكس ما يتوهم البعض، فقد سبق أن أعلن الرئيس بوش عن رغبته في إغلاق معتقل (غوانتانامو) سيئ الصيت، وحاول وزير الدفاع (الأمريكي) روبرت جيت مراراً منذ الأسابيع الأولى لتوليه منصب وزير الدفاع إقناع الرئيس (بوش) بترجمة تلك الرغبة على أرض الواقع. مشيراً إلى أن المعتقل قد اكتسب صورة سوداء في الخارج، وأن محاكمته سينظر إليها على أنها غير شرعية، وأنها أصبحت تحرج إدارته بشكل لم يعد ممكناً الاستمرار في التغاضي عنه بدليل أن شعبيته ما انفكت تتدهور.

إن بقاء المعتقلين دون أي اعتبارات للقوانين الدولية والشرائع السماوية في ظل تمسك الإدارة الأمريكية باتفاقية جنيف، وعدم توجيه تهم محددة لهم، وعدم عرضهم على محاكم فيدرالية تضمن لهم تحقيق العدالة التي تفتقدها هذه المحاكم هو ما جعل الأمريكي (كلايف سميث) محامي مصور قناة الجزيرة السوداني سامي الحاج - وغيره - يشعر بالخجل إذ تصرفت حكومة بلاده بمثل هذه التصرفات مع المعتقلين، وأكد استعداده لقبول أي دعم للمطالبة بتعويضات عادلة للسجناء.

من جانب آخر، فإن المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق لا يعرف لها نظير في التاريخ كله، وهي أكبر من مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، فصوره تفجر الدمع في العيون. حيث أكد القائد العام لإدارة المعتقلات الأمريكية في العراق الجنرال (دوغلاس ستون) وجود أكثر من (22) ألف معتقل عراقي بينهم عشرات النساء ومئات الأحداث وذلك في اللقاء الذي أجرته معه صحيفة الحياة قبل أيام.

وسيظل سجن (أبو غريب) رمزاً من رموز القهر والإذلال وانتهاك حقوق الإنسان بصورة بشعة كريهة، تفقد الإنسان آدميته عن طريق ممارسة القتل وتقنين التعذيب تحت ظروف قاسية وغير آدمية. تضمنت الحرمان من النوم لفترات طويلة، وإجبار المعتقلين على البقاء في أوضاع مؤلمة، وارتداء أغطية فوق رؤوسهم لمدة طويلة. ناهيك عن تعرض الأسيرات العراقيات للاغتصاب والاعتداءات الوحشية والاساءات الجنسية على يد جنود الاحتلال الأمريكي. وهي بلا شك تتنافى مع أبسط الحقوق التي يجب ان تتوفر للسجين، وتماثل المعاملة المحظورة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

بل يعكس تقرير مجلة (ذي نيشن) الأمريكية في عددها الصادر شهر تموز (يوليو) الماضي الانتهاكات اللامحدودة لآدمية البشر ترتكب من قبل سلطات الدولة الأمريكية، من ذلك: اعتراف أحدهم أنه ربما قام بقتل أي شخص لمجرد أن طريقة نظرته لا تعجبه، بدعوى أنه كان يهدد أمنه. واعتراف آخر بأنه كان وزملاؤه يقتلون المدنيين ثم يضعون أسلحة إلى جانب جثثهم ليتم تصويرهم على أنهم إرهابيون. واعترف ثالث بنبش دماغ أحد القتلى بملعقة بعد أن أطلق الرصاص على رأسه، وهو ينظر إلى الكاميرا ويبتسم.

إن الحالة اليوم بالغة التعقيد، فعقول المسلمين تختزن المواقف والصور، وتلتقط المشاهد والذكريات. وستبقى تلك المعتقلات وصمة عار في تاريخ الحضارة الإنسانية، وهو ما أشار إليه (انطوني لويس) في العدد قبل الأخير من مجلة (نيويورك ريفيو أوف بوكس) تحت عنوان رئيس الإرهاب: أن جيلاً كاملاً من الأمريكيين نشأ وتفتح على فكرة أن التعذيب على الطريقة النازية لن يتكرر. ولكنه يتكرر الآن في (أمريكا)، والأدهى أنه في ظل إدارة الرئيس (بوش) أصبح التعذيب حسب قوله سياسة دولة.



drsasq@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد