Al Jazirah NewsPaper Sunday  18/05/2008 G Issue 13016
الأحد 13 جمادى الأول 1429   العدد  13016

ثقافة الحزن وفكر المؤامرة
د. يوسف بن أحمد الرميح (*)

 

عندما ننظر نظرة فاحصة لمجتمعنا نجد تغلغل ثقافة تدعو للحزن والتشاؤم والنكد وتحاول إيجاد كل طريق للحزن والألم والأسى وكأن الدنيا خلقت للحزن والنكد والأسى.

تتمثل هذه الثقافة بعدة أوجه لعل وللأسف الشديد بعضها انتقل من ثقافة فردية لثقافة مؤسسات ونظم وأنشطة..

... فصار للأحزان مكان يقيم فيه بيننا وانتشرت ثقافة الموت والعزاء على أوجه كثيرة من المجتمع المحلي.

فعلى نطاق المؤسسات نجدها واضحة في عدد من المناشط داخل المدارس والمخيمات والتجمعات الشبابية سواء كانت للبنين أو البنات فأصبح حتى عهد قريب أحد المناشط أو لنقل العوامل المشتركة بين المناشط أن ترى نشاطا حول فكرة معينة كالسرقة أو المخدرات أو الإرهاب أو قطع الإشارات أن أول نشاط تواجهه هو وجود قبر موضوع للتذكير. ولا أحد يشكك في أن الموت مصير كل حي ولكن السؤال عن جدوى هذا المنشط.

الموت هو النهاية ونسأل الله لنا جميعا حسن الخاتمة ولكن أن يكون النشاط أحد علاماته البارزة كقبر فهذه فيها علامة استفهام كبيرة. وفي المدارس أن يؤتى بنعش مغطى عليه شكل جنازة رجل لمدارس البنين وشكل امرأة لمدارس البنات ويطاف بهذه الجنازة على الفصول ليراها الجميع فأي ثقافة ننشر هنا. وأن نأخذ طلابنا في رحلة ليغيروا جو المدرسة إلى مغسلة الموتى فهذه أيضا من الثقافة التي لها ثقلها في المجتمع. وأن تنتشر بين الناس قصائد معينة ولها رواج في محلات الكاسيت مثل قصيدة الغريب التي تقول في أول بيت:

ليس الغريب غريب الشام واليمن

إن الغريب غريب اللحد والكفن

كذلك عندما تدخل عدد من مكتباتنا وتشاهد أكثر الكتيبات المعروضة والملصقات عن المحاضرات والندوات تشاهد كما هائلا مركزه عن أهوال القيامة وعذاب القبر ومشاهد القيامة وأمثالها كثير.

أنا هنا لا أناقش في حقيقة هذه الأمور من الناحية العقائدية حيث إن الإيمان بها واجب ولكن هل يجب أن تكون ديدن النقاشات والكتيبات والمحاضرات.

أهذه الطرق التي ندعو بها الناس لدين الله، أو للتمسك بالدين السمح وللأسف فلقد أوجدت هذه الثقافة جيلا من الشباب منغلقا على نفسه يرى أن كل أمر في هذه الحياة أو تطور أو تقنية أو فكر سياسي أو اجتماعي غير مألوف أنه جزء من تركيبة فكر المؤامرة المتأصل في عدد من أبناء مجتمعنا وكأن هناك حيوان مفترس ينتظر أن نخطو بخطوة غير محسوبة لينقض علينا ويفترسنا في لمحة بصر هذه الثقافة أيضا أوجدت ردود أفعال عنيفة يتمثل بعض منها في إغراق عدد من أبنائنا في الخمور والمخدرات والسفر للخارج بحثا عن متعة محرمة ثم يرجع مدمنا أو مريضا بالإيدز أو قد غسل دماغه هناك. وأوجدت لنا شبابا همه الأكبر في هذه الحياة القنوات الفضائية والوقت الذي لا يشاهد فيه هذه القنوات الفاجرة والداعرة والجنسية الفجة هو عندما يكون نائما. وأوجدت آخرين متعلقين نهارهم وليلهم في لوحة المفاتيح يلف الدنيا من موقع لآخر ومن غرفة محادثة لأخرى بحثا ولهثا وراء السراب والمتعة الموعودة الحرام. حيث إنه وبكل بساطة كل فعل له رد فعل يعاكسه في الاتجاه.

وبين هؤلاء وأولئك وجدت فئة من المراهقين يحاولون إرجاع المجتمع للحق الذي يرونه هم ويحاربون الفئة الثانية ويرون أن المجتمع يذوب وبسرعة وتكاد تلتهمه طوفان الانحراف والفساد فاتجه هؤلاء للإرهاب والعنف وكونوا ما نسميه محليا الفئة الضالة والتي تغلغل في فكرها وعقليتها وثقافتها فكرة المؤامرة وأن كل علاقة مع الغرب وكل مصلحة وكل فكر وتقنية وكل إصلاح وتغير وكل تطور وتحديث إنما هو جزء من هذه المؤامرة التي يحيكها الغرب ونحن مثل الأبله المتفرج على الجزار يشحن سكينه لينحر شاته فهل هذا حق.

عندما نرجع لكتاب الله تعالى نرى آيات كثيرة جدا تطرح فكر وثقافة احترام الآخر ومناصحته باللين حتى وإن كان كافرا، مثلا قوله تعالى لموسى وهو من أولي العزم من الرسل عندما أرسله لفرعون وهو من يقول {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}، {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} قال تعالى: { فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا} وعند مجادلة أهل الكتاب نجد أن كتاب الله يطلب منا الجدال بالحسنى والدفع بالتي هي أحسن.

وفي سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هناك العشرات بل المئات من صفاته صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ويلعب ويسابق ويمزح وهذه الثقافة التي تغيرت في وقتنا هذا لثقافة المؤامرة وعند محاولة تحليل هذه المؤامرة نجد أن الغرب خاصة الولايات المتحدة لا تكترث فينا كثيرا ولو سألت الشاب الأمريكي عن العرب ومرادفات الحكمة لقال بترول، صحاري، وجمال وأنا متأكد من وهمية فكرة المؤامرة التي قد يكون بداياتها مع كتاب قادة الغرب يقولون أبدوا الإسلام وأهله وكتاب برتوكولات حكماء صهيون.

أتمنى أن يكون لدينا ثقة بالنفس نطرح أطروحاتنا بعيدا عن فكر المؤامرة التي تحاك ضدنا ويجب أن نستمتع بوطننا ومجتمعنا فعندما يحاول أرباب الإرهاب والفكر الضال إلصاق تهم بالاتصال والالتصاق بالغرب من المهم لهم أن يعرفوا ويقدروا أننا أكثر بلد في الدنيا يطبق الشريعة الإسلامية بكل مناحي الحياة والشريعة هي الحكم في كل شؤوننا. ونحن أقرب مجتمع إنساني للتشريع الإسلامي الصافي والصحيح بكل وجوهه وأطيافه، ونحن المجتمع الوحيد عالميا الذي يلتزم تعاليم الإسلام في أمور حياتنا المعيشية وحتى الشخصية من أمور تحريم الاختلاط إلى الفصل في المدارس والمساجد والجامعات والعمل وحتى الترفيه.

نحن المجتمع الوحيد في العالم الذي يفرض الصوم حتى على غير المسلم في رمضان فنشاهد أنه وبحلول الشهر الكريم يصدر بيان من وزارة الداخلية يمنع غير المسلمين من المجاهرة في الأكل والشرب وإلا تعرض للمساءلة النظامية.

إذا وبحمد الله نحن كمجتمع نطبق الشريعة الإسلامية بكل ما تعنيه الكلمة ولكن أهل نظرية المؤامرة الذين لديهم ضيق في الأفق ويشطحون لفكرة أن العالم كله يتآمر علينا ليلتهمنا كوجبة سهلة إنما ينطلقون من فكر ضيق وسطحي وغير واقعي.

نظرة وفكر المؤامرة هو ما أسس لحالة الحزن والكآبة التي نعيشها جميعا في كل أطياف مجتمعنا وهو نفس الفكر الذي دفع عددا من شبابنا للانعزال عن المجتمع والتقوقع والابتعاد والانسحاب عن كل مناشط الحياة، وهو ما دفع آخرين للهروب للمخدرات والخمور والفضائيات والمواقع الإلكترونية المنحرفة وهو نفس الفكر الذي دفع أعدادا أخرى من شبابنا كردة فعل للاتجاه للعنف والإرهاب لإجبار المجتمع بالقوة لاتباع وجهة نظرهم المنحرفة والفاسدة والتي بلا أدنى شك تنطلق تماما من فكرة المؤامرة التي تحاك ضدنا لتدميرنا وقتلنا ومسخنا من ديننا وهذا ما ذكرنا أنه من نسخ خيال فاسد خامل يؤمن بترهات وخرافات ليس لها أساس من الواقع الذي نعيشه جميعا.

وحتى نتغلب على هذه المشكلة الكبيرة والمستعصية في ثقافة وبناء وفكر المجتمع يجب أن نؤسس لفكر مناهض، فكر قوي واضح يدعو للحوار ويدعو للتسامح والقبول، فكر يحب الترفيه الحلال بكل متطلبات الشريعة الإسلامية..

إن من الأهمية بمكان تنمية حسن الفرح والمرح والسرور بين أفراد المجتمع فهذا هو الأصل أن يبقى الإنسان في حالة سرور فالتفاؤل من محامد الشريعة الإسلامية وكما جاء بالحديث (أن الله يحب الفأل) وكما قيل تفاءلوا بالخير تجدوه. وأما العبوس والنكد والتجهم فهذا هو الاستثناء وليس القاعدة للحياة ولا للتعامل بل إن الفرح ثقافة وتعبير إنساني فطري يتوق إليه البشر ويشتاقون إليه. ولذلك كان من أهم مميزات الإنسان الطيب هي الابتسامة ولذلك ورد في الحديث الشريف (ابتسامتك في وجه أخيك صدقة) وللأسف فلقد تحولت الابتسامة في وجوه الكثير لوجوم وحزن وكأن هذا هو الأساس وهو المحك بينما هو العكس تماما. فالفرح والسرور هو الأصل لحياتنا الاجتماعية وحتى صحتنا الجسمية والنفسية فالحزن والنكد والأسى يجلب الأمراض الجسمية والنفسية وكثيرا ما يوصي الأطباء بالفرح والضحك والابتسامة كعلاج جسدي ونفسي ومجتمعي.

إن تغيير حالة المجتمع من الأسى والحزن إلى مرح وسعادة تحتاج تدخل مؤسساتي وليس أفرادا مثلا يجب شغل أوقات الشباب والذين يشكلون حاليا أكثر من 65% من سكان المملكة بأنشطة وبرامج فعالة تقوم بها جهات عدة مثل الأندية الرياضية والأندية الأدبية والجمعية السعودية للثقافة والفنون والمجالس البلدية ومراكز الأحياء وفروع ومكاتب وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الثقافة والإعلام وغيرها. للأسف يبدو لي أن متنفس الشباب اليوم هي المباريات الكروية وهذه دفعت الكثير للتمسك فيها والتعصب المقيت والسبب هو عدم وجود البديل. هنا أنا أطالب كباحث أمني واجتماعي في مناشط ترفيهية ترويجية مؤسساتية منظمة ومبرمجة على مدار العام تشترك فيها المدارس والأحياء والمراكز والأندية وغيرها.

يجب أن نعرف أننا وبسبب أننا لم نشغل وقت الفراغ للشباب في الأمور الجيدة والترفيه البريء والتسلية فهم سوف يشغلوننا بالشر وهذا للأسف ما بدأ يظهر كالمخدرات والخمور والإرهاب والجريمة عامة.

لابد من نظرة بعيدة المدى وإستراتيجية لمفهوم استغلال وقت فراغ الشباب في مناشط مثل التراث والفنون والمسابقات والشعر والإلقاء والكتابة والرسم وغيرها كثير تدوم طوال العام. والرياضة مهمة جدا ويجب فتح أبواب الأندية الرياضية للجميع لنجعل من أنديتنا الرياضية مراكز رياضية ومراكز لمزاولة الأنشطة كافة ومراكز للقيادات الفكرية ومراكز لتنمية الهوايات المفيدة.

وأتمنى من البلديات أن تحول ما يصلح من الأراضي البور وغير المستفاد منها إلى ملاعب رياضية وهذا لن يتطلب الكثير حتى نضمن عددا من الملاعب داخل كل حي سكني حتى يمارس الشباب هواياتهم ويخرجوا طاقاتهم ويقضوا على أوقات الفراغ لديهم بما يفيد وتحت نظرنا ومراقبتنا لأننا وبالحال الحاضر وأقولها للأسف لا نعلم بحال شبابنا إلا من رحم الله.

إنني من هنا أطالب بتفعيل دور أساسي للترفيه والتسلية والضحك و(الوناسة) بما لا يخالف مطلقا شريعتنا السمحة والتي أحد مقوماتها الفرح والأنس والتفاؤل وأن إظهار مشاعر الفرح والمرح في المناسبات أمر مشروع في ديننا الإسلامي الحنيف الذي هو دين الفطرة والسماحة والاعتدال. وهذه سوف تقضي على عدد من المشكلات الاجتماعية والأمنية والنفسية التي بدأت وللأسف تنتشر في المجتمع اليوم.

(*) أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة المشارك

جامعة القصيم


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد