Al Jazirah NewsPaper Monday  19/05/2008 G Issue 13017
الأثنين 14 جمادى الأول 1429   العدد  13017

في رحاب المغرب الجميلة -5-
د. عبدالله الصالح العثيمين

 

كان آخر ما أشرت إليه في الحلقة السابقة من زياراتي لرحاب المغرب الجميلة تلك الزيارة ذات المعنى الخاص، التي تمت العام الماضي للعيون للمشاركة في لقاء علمي عن الآداب الشعبية، إضافة إلى قراءات شعرية بالفصحى والعامية.

وفي السنة الماضية، أيضاً، سعدت بدعوة كريمة وجهتها إليَّ جامعة فاس للمشاركة في ندوة عن مذهب الإمام مالك - رحمه الله - في بلاد المغرب. فلبَّيت الدعوة شاكراً، وذهبت إلى هناك؟ وما أطيب للنفس من الذهاب إلى موطن ذي عبق تاريخي علمي وتراث أصيل، والمشاركة في ندوة عن إمام جليل مثل الإمام مالك! وفي تلك الندوة التي حضرها، وشارك في بحوثها، متخصصون من بلدان متعددة؛ عربية وغير عربية، تحدَّثت عن المذهب المالكي في شرقي الجزيرة العربية. وكان مما قلته في مسهل حديثي:

(أعلم أني غير متخصص بدراسة مذهب إمام دار الهجرة، الإمام مالك - رحمه الله - لا أصولاً ولا فروعاً ولا تاريخاً متتبعاً نشأته وتطوره وانتشاره. لكن معرفتي المحدودة بسموِّ فكر ذلك الإمام وعظمة منهجه، اللذين جعلا من مذهبه المذهب السائد في مغرب أمتنا الإسلامية، شجَّعتني على انتهاز الفرصة التي أتاحتها لي الدعوة الكريمة من منظمي هذه الندوة المباركة لأستمع إلى الدراسات القيمة التي يلقيها الباحثون المتمكِّنون، الذين ينطبق عليهم المثل القائل: أهل مكة أدرى بشعابها. على أن تقديري لمنهج الإمام مالك - رحمه الله - وإعجابي بأتباع ذلك المنهج الذين يشهد تاريخهم عبر القرون على انفتاحهم الفكري على المستجدات بحيث ترعرع لديهم ما يسمى بفقه النوازل، شجعاني على أن أكتب باختصار عن المذهب المالكي في شرقي الجزيرة العربية.. الجزيرة التي نشأ في غربيها بطيبتها الطيبة ذلك الإمام العظيم، وبلغ ما بلغ من علم غزير، وأعطى ما أعطى من معين الفكر النمير).

وكان مما ذكرته في حديثي القول بأن بعض المصادر أشارت إلى أن بني عصفور، الذين حكموا شرقي الجزيرة العربية بعد العيونيين، وامتد حكمهم إلى القرن الثامن الهجري، كانوا يعتنقون المذهب المالكي، وكذلك كان قادة بني جروان الذين خلفوهم في حكم تلك المنطقة إلى عام 821هـ تقريباً. وبعد ذلك استولى عليها آل أجود الجبريين، الذين كان من أعظم زعمائهم أجود بن زامل، الذي شهد عهده ازدهاراً علمياً واتساع نفوذ، وأثنى عليه عدد من المؤرخين بينهم السمهودي والسخاوي. وقد قال عنه الأول: (فريد الوصف والنعت في جنسه، صلاحاً وأفضالاً وحسن عقيدة). وقال عنه الثاني: (له إلمام ببعض فروع المالكية واعتناء بتحصيل كتبهم؛ مصاحباً للتصدق والبذل). وكان من أعظم حكام آل أجود مقرن بن زامل، الذي استشهد مقاتلاً للبرتغاليين الغزاة لبلاده سنة 927هـ. وكان قادة تلك الدولة مالكيي المذهب. وقد أشار الرحالة المغربي العياشي إلى لقائه عالمين مالكيين من الأحساء أحدهما في المدينة والثاني في مكة، وذلك عام 1076هـ.

ومما تطرق إليه حديثي ذكر تبني أسر كريمة المذهب المالكي في شرقي الجزيرة العربية في الوقت الحاضر، سواء في المملكة العربية السعودية أو في دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي طليعة الأسر المالكية المذهب في شرقي المملكة آل مبارك، الذين برز منهم عدد من العلماء من أوائلهم الشيخ مبارك بن علي المتوفى سنة 1230هـ. وقد تولى ابنه عبداللطيف قضاء الأحساء في عهد الإمام فيصل بن تركي، وتوفي عام 1285هـ. ومن علماء آل مبارك عبدالعزيز بن عبداللطيف، الذي كان إضافة إلى كونه عالم شريعة - أديباً شاعراً- ومن شعره:

بح بالذي تهوى وصرِّح باسم من

تهوى ولا تحذر -فديتك- لُومَّا

واشكر على عدل الحبيب وجوره

وذق الذي قد ذقته فلعلَّ ما

واستعذب التعذيب واسعد باللقا

وارض الذي يرضى به واصبر كما

وتعال قصَّ عليَّ من طرف الهوى

طرفاً فقد أمسيت مثلك مغرما

يا من لقلبٍ كلما رام العزا

نقضت يد الأشواق ما قد أبرما

أو كلما شيِّدت بيت تنسُّكٍ

هدَّ الهوى ما قد بنيت وهدَّ ما؟

وأخو الغرام وإن ترهَّب برهة

ما كان أسرع أن يعود متيَّما

ومن شعره الوطني:

هل من يجيب إذا دعوت الداعي

ويعي الخطاب؟ وأين مني الداعي؟

ذهب الرجال وخلفوا أشباههم

والماء يخلفه سراب القاع

كم ذا أنادي غير مسموع الندا

وأحثُّ للإصلاح غير مطاع

وقد توفي - رحمه الله - عام 1342هـ. ومن علماء آل مبارك الشيخ الفاضل أحمد بن عبدالعزيز، الذي كان قاضياً في الظهران والقطيف ثم دعاه الشيخ زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى بلاده، وجعله رئيساً للقضاء الشرعي عام 1390هـ. وكان له فضل كبير في الإصلاح والمحافل الإسلامية كما كان له فضل واضح في نشر كتب المذهب المالكي. وقد توفي - رحمه الله - سنة 1409هـ ومن المعروف أن آل نهيان وآل مكتوم، حكام دبي، يعتنقون المذهب المالكي.

وكان من لطائف تلك الزيارة المفيدة لي علمياً أنني بعد انتهاء الندوة انطلقت من فاس بالسيارة إلى الدار البيضاء لاستقل الطائرة من هناك إلى جدة عائداً إلى الوطن العزيز. ولما ناولت موظف الخطوط المغربية التذكرة قلت له: الله يخليك احرص على أن أكون في مقدمة الطائرة قال لي: إلى أين؟ قلت له: إلى جدة. قال: لكن التذكرة إلى بيروت.

وتبين أن المسؤولين في فاس عن الحجز قد أعطوني تذكرة زميل من لبنان، وأن تذكرتي عندهم. ولذلك وجب عدم سفري في الوقت الذي كنت أنوي السفر فيه. وقلت في نفسي: الحمد لله أنني في وطن من أوطان أمتي، وعدت أدراجي إلى فاس حيث استقمت هناك يومين إضافيين وكان من حسن حظي أنهما كانا يومي خميس وجمعة، وهما يوما إجازة أسبوعية في وطننا العزيز. فكان ذلك الخطأ بالنسبة لي (راد خير)، كما يقول المثل الشعبي.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5896 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد