Al Jazirah NewsPaper Tuesday  20/05/2008 G Issue 13018
الثلاثاء 15 جمادى الأول 1429   العدد  13018
أحمد بن حفير بن سليمان الحفير
(العنف غالباً هو حيلة الضعفاء)

لقد حرص الإسلام على تجذير أواصر المحبة والألفة في البيت المسلم، والبُعد عن المؤذيات والمضعفات؛ لأنّ الأسرة هي النواة الأولى لحفظ الكيان، وتحقيق السعادة وإيجاد المحضن الدافئ الذي من خلاله يجد الفرد نفسه ليعمل ويبني ويقدم ويرقى، ويحل مشكلاته ويصل إلى مشتهياته ومطلوباته ارتقاءً وتعلُّماً. وعلى قدر هدوء البيت وسكينته، ينسحب ذلك على معطياته ومخرجاته، فأعطني بيتاً هادئاً أهبك إنتاجاً وعملاً؛ لأنّ الهدوء واللين مسلكان حميدان للعمل والتفكير والتصحيح والمعالجة.

ولقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب) لأنّ الغضب يستولي على الأحاسيس والمشاعر، ويقضي على منافذ التفكير الهادئ فينتج عن ذلك عنف وإيذاء وتجاوز وتطاول.

ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ً انتفخت أوداجه واحمرّ وجهه، قال : إني أعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). مما يتضح معه أنّ قوة الصلة بالله وتغذية الجانب التعبدي، تحجز الإنسان عن العنف الذاتي والعنف المتعدي.

والعنف غالباً إفراز لتراكمات نفسية، أو هو استعراض لسد الفشل وعدم القدرة على حل المشكلات وهروب عن واجب المسؤولية.

ولا يعمد إلى العنف الأسري وغيره، من يملك أدوات الحوار والقدرة على حل المشكلات، لأنّ العنف لا يحل مشكلة، ولا يبني ذاتاً ولا يقوِّم معوجاً، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر باللين وترك العنف وقال : (إنّ الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).

وكانت حالته صلى الله عليه وسلم البيتية أنموذجاً يحتذى به في ترك العنف واطراحه، فلم يضرب صلى الله عليه وسلم وضيعاً ولا خادماً مع حصول الخطأ والتقصير، لأنه صلى الله عليه وسلم، يعذر المقصر ويغفر الزلة ويعين المتأخر في تجاوز سقطته، بل كان ينهى عن العنف في الملامة والمعاتبة، فضلاً عن العنف الجسدي. ولما جلد الرجل في شرب المسكر قال أحد الصحابة: أخزاه الله أو لعنه الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم)، لأنّ الكلمة العنيفة لها أبعاد في التباطؤ والتأخر.

وعند التلمُّح والنظر في واقع البيوت، نجد هناك بعض مظاهر العنف الأسري سواء في عنف القول وسقطه، أو في الاستطالة في الأعراض، أو في التجنِّي والتعدِّي على الأبدان والممتلكات .. ولهذا أسباب كثيرة منها:

أولاً: البيئة والأسرة التي يعيشها بعض الأفراد من خلال الممارسات التي ينشأ عليها دون قصد، فقد يكون هناك عنف من الزوج تجاه زوجته في مسرح البيت وتحت مشاهدة الأسرة ،مما ينكسر معه حاجز الاحترام والتقدير للغير، وتبرز معه قوة استعلاء الأقدر، فيبدأ الكبير مع الصغير بممارسة ألوان من العنف عند المخالفة له أو الممانعة، وتكون لغة العنف سمة البيت.

ثانياً: عدم المبادرة في حل المشكلات أياً كانت، وخصوصاً في هذا الوقت المتسارع الضاغط .

وهذا التراكم للمشكلات والتأخير في حله، يجعل النفس متوترة والأعصاب مشدودة، وبهذا يُغْلب على العقل ويقضى على المدارك والتحكم، فيحصل العنف تحت التأثر وتحت دائرة الخوف والعجز، وما أن يولي عشاء المشكلة ويذهب غطاؤها، حتى تعود النفس للمعاتبة على ما اقترفته من عنف وإيذاء.

ثالثاً: قد تعود أسباب العنف الأسري إلى مؤثرات خارجية، كالمخدرات والمنبهات التي يتصرف صاحبها تحت تأثير المثير من مستحصلات المنبهات والمخدرات، إضافة إلى أنّ الاضطرابات النفسية دون تدخُّل علاجي، ربما كان أثرها ممتداً إلى العنف والإيذاء، مما يتطلّب السرعة في إعادة الهدوء والتوازن لهذه النفس.

والعنف غالباً هو حيلة الضعفاء الذين ظنوا أنّ القوة الجسدية والعددية، هي العصا السحرية والأسلوب الأقدر على الوصول للمشتهيات، وبهذا عطلوا قدراتهم وملكاتهم في الاحتواء والإقناع والإشباع، فجنوا إفلاساً وضياعاً.

ومن نافلة القول إنّ القوة بمفهومها الواسع، تعني قوة التفكير وقوة العمل وقوة الحوار وقوة الإقناع. فإذا حصل هذا استجلبت المصالح بهدوء مرشد، ورفق مسدد وصدق الله (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (سورة طه، الآية :44) استجلاباً لهدايته وكسباً للموقف معه، ولنا أن نتصور كم يخسر أصحاب العنف في إلغاء عقولهم وذكائهم العاطفي في التعامل والملاطفة.

وكم هو أثر عنفهم في فقد الأرواح والنافع والأموال، وقبل ذلك فقد قيمة الإنسان التي كرمها سبحانه وتعالى، ومع مزيد من التأمُّل يعلم المعنف أنه أول الخاسرين. والله الموفق.

* القاضي في المحكمة الجزئية ببريدة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد