Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/05/2008 G Issue 13023
الأحد 20 جمادى الأول 1429   العدد  13023
مفكرون سعوديون.. بمعايير عالمية
د. محمد بن سعود البشر(*)

صدرت قائمة أفضل 100 شخصية فكرية على مستوى العالم التي انتهت إليها مجلة Foreignpolicy الأمريكية بعد استفتاء قرائها في عدد من دول العالم. ليس غريباً أن لا يتصدر قائمة المفكرين العالميين أحد من السعودية، بينما تضمنت القائمة شخصيات عربية وإسلامية - على قلتهم -. لم يرد في القائمة شخصية فكرية أو ثقافية أو حتى (دينية) سعودية رغم وفرة القادرين والمؤهلين، ورغم وجود الجامعات العريقة في بلادنا التي تفوق مثيلاتها في الوطن العربي والإسلامي بل وفي كثير من بلاد الدنيا.

وعلى الرغم من التحفظ على إطلاق مصطلح (مفكر) أو (مثقف) على كثير من الشخصيات التي وردت في القائمة مثل الداعية المصري الموفق عمرو خالد، وبطل الشطرنج العالمي جاري كاسباروف Garry Kasparov، ومحمد يونس البنجلاديشي صاحب فكرة (بنك الفقراء)، ووضع مثل هذه الشخصيات في مصاف علماء ومفكرين مثل العلامة يوسف القرضاوي وأستاذ العلوم السياسية الأمريكية صموئيل هنتنجتون Samuel Huntington صاحب نظرية (صراع الحضارات)، وأستاذ اللسانيات الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي، وفرانسيس فوكوياما صاحب نظرية (نهاية التاريخ) وغيرهم.

وبصرف النظر عن آلية الاستفتاء الذي أجرته المجلة، وعينة القراء، وطريقة اختيارهم وغير ذلك، إلا أن ما طرحته المجلة هو موضوع جدير بالاهتمام والمناقشة.

وأود أن أنبه إلى أن كثيراً من القضايا التي تطرحها المؤسسات الفكرية والإعلامية في الغرب، وخاصة ما لها علاقة بالفكر والثقافة، إنما تكون بمعايير غربية. فالتأريخ للعلوم الحديثة - مثلاً - يبدأ تدوينه باكتشافهم هم، وليس بما لدى الحضارات الأخرى غير الغربية، مثل العلوم السياسية وعلم العلاقات الدولية. وهذا ما يفسر كثيراً من (الأولويات) التي تقرأ عنها في كل مجال، إذ تتصدر الشخصيات الغربية الأسماء الأولى في مثل هذه القوائم والبقية تتقاسمها شخصيات تقترب من معايير من يضعها.

وحتى إذا كانت هذه الأوّليات صحيحة من الناحية الديناميكية (طريقة الوصول إليها) فإن ما يخدم الغرب في ذلك هو تقدمهم في مجال نشر المعرفة بلغتهم ووسائلهم، فقد وظّفوا كل وسائل نشر المعلومة المتاحة لتحقيق التفوق للثقافة الغربية على غيرها من الثقافات. وهذا نجاح يحسب لهم، ولا نلوم الناجحين على تفوقهم، وإنما اللوم على المتقاعسين والكسالى والخانعين.

عدم وجود مفكرين ومثقفين سعوديين قادرين على الحضور العالمي في المجالين الفكري والثقافي ليس سببه تفوق الغير علينا فقط، وإنما صاحب ذلك إهمال واضح لصناعة المفكر السعودي بمعايير العالمية. فليس أكثر منا تناسياً أو تجاهلاً لدور المفكر والمثقف، بل وربما تحجيم دوره والتقليل من أثره، وبخاصة المفكر المستقل. ولا نعجب إن سمعنا من وسائل إعلامنا أننا ننفق ملايين الدولارات على تطوير كرسي (للدراسات الفلانية) في الجامعات الغربية أو الشرقية أو دعم شخصي لقسم أكاديمي في مركز أبحاث أجنبي بينما نتجاهل دعم المفكرين والمبدعين ونغفل عن تأسيس مراكز للدراسات الفكرية في بيئتنا المحلية!! وكم من مفكر مبدع قُتل معنوياً أو مادياً لسبب أو لآخر، فكيف نرجو أن يكون لدينا مفكرون عالميون؟!

قد توجد الكوادر السعودية ذات العقول والمواهب المؤهلة للانتشار العالمي - وهي بالفعل موجودة - لكن إمكاناتها المادية تقصر دون بلوغ هذا الأمل بسبب عدم قدرتها على إيصال نتاجها العلمي أو الفكري أو الثقافي إلى العالم بلغاته المختلفة. فأين الدعم الحكومي أو الخاص الذي يمكّن لهذه العقول في ساحة الفكر العالمي من خلال تمويل برامج ترجمة نتاجنا الفكري والثقافي إلى الآخر من خلال الأفراد أو المؤسسات!!

إننا لا نزال نتصدر قائمة الدول المانحة للبلدان المنكوبة بالكوارث والزلازل والفقر وغيرها (وهذا جميل ورائع وواجب إنساني نبيل)، ولا نزال نقدم الدعم المنظور وغير المنظور لحكومات وأفراد ووسائل إعلام ولا نجد في بلادنا مركزاً واحداً للدراسات الفكرية!!

أليس هذا باعث إحباط للمفكر والمثقف؟

صراع اليوم هو صراع معرفة وفكر ومعلومة، والدولة التي لا تحسن تقديم مفكريها ومثقفيها إلى الآخرين بلغاتهم، وتقدم لهم العون المادي والتشجيع المعنوي، فإنها ستبقى في مؤخرة الركب الحضاري.

(*) أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد