Al Jazirah NewsPaper Sunday  25/05/2008 G Issue 13023
الأحد 20 جمادى الأول 1429   العدد  13023

المناهي اللفظية
د. موسي بن عيسى العويس(*)

 

الألفاظ ومدلولاتها موضوع خطير، جدير بالإثارة، والدراسة، والبحث المستقصي، لاسيما في عصر ومجتمع يشهد (أزمة صراع فكري) حتى في (المصطلحات).. يخرج أطراف الصراع في كثير من الأحيان عن حدود العقل، ودائرة المنطق، ويسيرون دون تروٍّ، أو تأنٍ خلف العواطف، ويتحاكمون عليها، ويصرفون معهم المجتمع عن أولويات العمل، واهتمامات الحياة.

* مع ذلك تبدو فوائد (الجدل الفكري) في حفز الباحثين إلى التنقيب في المعاجم اللغوية تارة، وفي كتب المصطلحات العلمية، والأدبية، والدينية، والفلسفية، والاجتماعية، والسياسية تارة أخرى.. وعلى قدر جهد الباحث تكون الحصيلة، وتتبلور الحقيقة.. هذا شأني، وربما شأن غيري ممن لا يلتفتون إلى القضية، ويتحركون إلا حينما تُثار، أو يُستثار، فيخطئون من حيث لا يدركون، ويخرجون عن المنهج العلمي في فن (الحوار والجدل) من حيث لا يشعرون، فهم يقفون موقف المدافعين، ومن طبيعة أصحاب هذا الموقف، في الفكر، وغيره الزلل والخطأ، إذ ربما لا يتيح لهم عاملا الزمن والموقف كدّ الذهن، وإعمال العقل، في الاستخراج، والتحليل، والاستنتاج.

* في موضوع كهذا، نبعث عالماً من مرقده، نستضيء بعلمه من خلال كتاب: (معجم المناهي اللفظية)، للشيخ (بكر أبو زيد) -رحمه الله-، ففيه إرشاد وتوجيه لجملة كبيرة من الألفاظ، والمقولات، الدائرة على الألسن قديماً، وحديثاً، وبالذات ما يتصل منها بأدب الإنسان مع خالقه، إذ يستوجب أخذ الحيطة والحذر من كل لفظ فيه شرك، أو كفر، أو دعاء لغيره، أو تقوّل عليه بدون علم، أو غير ذلك من الأوجه الدائرة في فلك (التحريم)، سواء كان النهي عن التلفظ بها لذاتها، أو لمتعلقاتها، أو لمعنى من ورائها.. كل ذلك صيانة للتوحيد، والعرض، والشرف، والتنزه، والورع، وبث روح الألفة والتعايش بين البشر، ذلك أن اللسان من أعظم الجوارح، وأكثرها جناية، وأشدها ضرراً على صاحبها، وكما قيل:

يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه

وليس يموت المرء من عثرة الرجلِ

فعثرته بالرأي تودي برأسه

وعثرته بالرجلِ تبرا على مهلِ

* هناك أسماء قد يكون الندب إلى إهمالها داخلاً تحت تلمس الحسن في المباني، والمعاني، لرشاقة، أو خفة، أو حلاوةٍ، أو طلاوة في نطقها.

* رغم ذلك، فالعرب كما هو معروف يتوسعون في استخدام المعاني (مجازاً)، ساعدهم في ذلك لغة طيّعة، ثرية، واسعة، قابلة للتطور والتجدد في الدلالة، إلى ما يمتلكونه من سعة الخيال، وقدرة على الاشتقاق، لذلك لم يتوقفوا كما توقف (علماء الأصول)، و(السلفيون) منهم على وجه الخصوص في تعابيرهم.

* في الأسماء على سبيل المثال، لم يستحسن (علماء الأصول) بعض الأسماء الدارجة لدينا، مثل: (عبير، وأريج، وأحلام، وغادة، وشادية، وفاتن)، بوصفها تحمل بعض معاني الرخاوة، والشهوانية، والميوعة وغير ذلك من الدلالات التي لا تليق في العُرف عندهم، لأن الأسماء قوالب للمعاني، ودالة عليها، لما بينهما من ترابط وتناسب وأثر، إما في الحسن، أو في القبح، أو الخفة، أو اللطافة.. وأعتقد أن في هذا الباب تحجيراً لواسع، وجموداً لا معنى له.

dr alawees@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد