Al Jazirah NewsPaper Monday  26/05/2008 G Issue 13024
الأثنين 21 جمادى الأول 1429   العدد  13024
بين قولين
إلا الفقر
عبدالحفيظ الشمري

قد تثير الرعب في قلوبنا فكرة عودتنا كمجتمع إلى حالات تشبه الفقر القديم، ذلك الذي يسرف كبار الأهل في شرح ويلاته، لاسيما المخضرمين الذين عايشوا سنوات التحول من الفقر والجوع إلى الغنى والشبع، وتتوارد حوله بعض المقولات أو تدونها بعض الكتب والرسائل والوثائق عن ذلك الفقر الذي ظل فيه الناس في دول الجزيرة العربية والخليج على هامش الحياة على مدى مئات السنين، ليرتموا مكرهين في أحضان الفاقة، وبين أنياب الموت، يتضورون جوعاً، ويهلكون ظمأً.

فكيف بنا إن عدنا إلى الوراء؟ نحو تلك التخوم المفزعة بسبب ما يجتاح العالم من فرضيات تتنازع أمر جوعنا العالمي المحتمل، فالمتناقضات تزداد حضوراً في الخطاب العام، فمع الغلاء المعيشي الجائر، والتعمد الواضح في العبث في قوت الناس ورزقهم، لا يحسن الناس جميعهم سوى العويل حتى على مستوى العالم، ليؤكدوا أن المجاعات قادمة والفقر مقبل لا محالة إذا ما استمرت موجات ارتفاع أسعار السلع الغذائية الضرورية في حياتنا.

مؤكداً أن الفقر لدينا يختلف عن الفقر في بلاد العالم الآخر، ففي البلاد الأفريقية يتضور الناس جوعاً وثمار المانجو تتساقط من حولهم، فهناك من يقول: إن فقرهم يكمن في كسلهم، إذ هم غير مؤهلين لصنع معجزة الغذاء، وهناك من يقيمون على ضفاف الأنهار أو بين الجبال العامرة بالخضرة والأشجار حتى وإن شحت مصادر الرزق لديهم، لكن الفقر لدينا ونعني هنا في الجزيرة العربية لاسيما الداخلي منها هو حالة مغايرة عن الفقر المتوقع في أي جهة من العالم فلا شيء غير الصحاري الجدباء، وأخاديد الأودية التي يتنفس فيها السراب، وتتقافز فيها بعض الجرابيع والعضاءات الحذرة، والزواحف التي تعتق بعضها سمومها الزعاف.

فكرة عودة الفقر تجفل حقيقة حينما نسمع ونقرأ هذه الإحصاءات التي تؤكد أو تستشعر أن العالم الثالثي مقبل على مأساة حقيقية بسبب غلاء المعيشة، حيث ستخلف موجة من الاضطراب الاجتماعي الذي قد تتفتق عنه فكرة البحث عن القوت حتى وإن كان على طريقة الحنشل في غابر الأيام التي نتمنى أن لا تعود.

دراسات الباحثين وكتابات المتخصصين، وتشخيص الاختصاصيين حول الفقر المحتمل مرده - كما أسلفنا - إلى تهاوي التخطيط السليم وتعاظم الغلاء، فليس له سوى علاج واحد، يتمثل في قتال الجشع والطمع من قبل مجموعة قليلة تتحكم بمصادر رزق الناس دون إحساس بالذنب أو الوازع الديني والوعي المنصف.

فلا شيء غير الجشع وحب المال، وشهوة الامتلاك وفحش المكاسب المادية حتى إن كانت على حساب البسطاء. فهذا - على الأرجح - هو السبب الرئيس في أمر الغلاء الذي سيؤدي حقيقة إلى الفقر، وربما عودة الماضي المؤذي في صحاري العرب، وصحوة الفاقة في قرى الأعراب، أو استيقاظ التنين النائم في الصين، أو حرق البيادر في الهند، أو موت على الماء في بحيرات الظمأ، لكنه لن يطال البعض هناك في أوروبا وأمريكا، لأنهم حتى وأن داهمهم الفقر، فلن يكون عضوضاً مؤذياً كما سيحدث لدينا إن نحن استكنا أمام جشع هؤلاء الذين لا زالوا يفكرون أولاً وأخيراً بمداخيلهم واستثماراتهم حتى وإن احترق العالم.



hrbda2000@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد