Al Jazirah NewsPaper Monday  02/06/2008 G Issue 13031
الأثنين 28 جمادى الأول 1429   العدد  13031
المسؤولية المجتمعية أمام التقنية الحيوية في الأغذية
د. علي البراك

إن ذكر التقنية الحيوية يثير شعوراً بالخوف وبعدم الثقة لدى الناس بهذه التقنية في مجال المحاصيل الزراعية، فهناك تفاوت واضح لدى المستهلكين والمزارعين والمهتمين من العلماء والباحثين في تقدير المخاطر والفوائد الناتجة عنها, بسبب وجهه النظر التي تعتبر أن العلوم ستؤدي حتماً إلى إحراز تقدم اجتماعي, والتي تراجعت تراجعاً حاداً أخيراً.. وتتحمّل الحكومات مع العلماء فيه القسط الأكبر من المسؤولية، حيث كان ينبغي زيادة الاهتمام وبشكل جاد في مناقشة الأهداف المراد بلوغها، والأساليب المنضبطة الواجب اتباعها، بدلاً من التركيز على التوسّع في ضخ الإمكانات في التقنية الحيوية، وتفيد دراسات عالمية عن وجود تفاوت كبير في درجة التقدم في التقنية الحيوية والمحاصيل بين البلدان المتقدمة والنامية, أنّ بلداناً كثيرة لا تستفيد بالكامل من مجموعة أدوات التقنية الحيوية.. والمحاصيل المعاملة تقنياً عالمياً هي في الأغلب الذرة وفول الصويا والقطن، وذلك بهدف تخفيض التكاليف على المستوى الكبير من الإنتاج وليس جودة المحاصيل أو الغذاء, والدليل ضعف التوجه للاستثمار في الذرة الرفيعة والبسلة الهندية والفول السوداني, وهي من أهم المحاصيل في المناطق شبه القاحلة الاستوائية, إذن ما نشهده اليوم هو نتيجة لفجوة بين البلدان المتقدمة والنامية وبين كبار المزارعين وصغارهم، أي بين ما كان منتظراً من التقنية الحيوية وما نتج عنها في الواقع.. لذلك برزت الأسئلة التالية:

هل ستؤدي التقنية الحيوية مع اتساع الفجوات إلى تفاقم الفوارق بين العالم المتقدم والنامي؟

هل هناك طريقة لبناء مصداقية للتقنية الحيوية في الزراعة ويتقبّلها الجميع؟

هذه الأسئلة تؤكد أهمية الوصول إلى اتفاقية بين جميع المهتمين وهم الدول، ممثلو المواطنين, المنتجون, مراكز الأبحاث في القطاعين العام والخاص بحيث تقوم على مبادئ أهمها:

أولاً: إعادة توجيه التقنية الحيوية

يجب إعادة توجيه التقنية الحيوية لتلبية احتياجات الشعوب الماسة للأغذية الحالية وجودتها وكميتها وعلى المنتجات الزراعية الجديدة, مع مراعاة الاعتبارات الاقتصادية والفنية والاجتماعية الخاصة في كل بلد، كذلك تركّز أولويات الأبحاث على التحديات الرئيسة التي تواجه هذا البلد أو ذاك، كقلة المياه مثلاً, ولا بد للتقنية الحيوية أن تساهم في مجالات جديدة كصيانة التنوع الحيوي وتوصيفه واستخدامه, من خلال استزراع مجموعات من المادة الوراثية في المختبر والمحافظة عليها خارج مواقعها، وتربية سلالات نادرة من الحيوانات والمحافظة عليها.

ثانياً: حسم الغموض بين الاكتشاف والاختراع وتبعاتهما

يثير امتلاك القطاع الخاص العديد من التقنيات الحيوية الحديثة مخاوف بسبب الغموض الذي يسود الحدود الفاصلة بين الاكتشاف والاختراع، واكتساب هذه المسألة أهمية خاصة أدى إلى وجود محاولات عالمية لوضع حقوق ملكية فكرية مبتكرة في إطار اتفاقية التنوع البيولوجي والمعاهدة الدولية بشأن التقنيات الوراثية النباتية للأغذية والمحاصيل في منظمة الأغذية والزراعة، ويفترض التوصّل إلى اتفاقية مكان وكيفية وزمان إدخال منتجات الكائنات المحوَّرة وراثياً، بالإضافة إلى تأثيراتها ما بعد إطلاقها، ومن الضروري دعم البلدان النامية لوضع سياسات محلية مجدية للتقنية الحيوية الزراعية وتطبيقاتها, والتي يجب عليها أيضاً امتلاك القدرة على تقييم كافة جوانب المخاطر وإدارتها في مختلف مراحل السلسلة الغذائية

ثالثاً: عقد اللقاءات الدورية حول التقنية الحيوية

للتمييز بين المخاطر والفرص لا بد من إقامة لقاءات محلية ودولية, تعرض فيها معلومات موضوعية مع منظمات حيادية مثل منظمة الأغذية والزراعة العالمية, حيث لا تزال المعرفة العلمية بشأن المخاطر المحتملة لا تزال مختفية وراء القدرات التقنيّة، وهذه المنظمة تساعد على التقييم العلمي الذي يسعى لبيان فوائد ومخاطر كل المحاصيل المحوَّرة وراثياً قبل السماح باستخدامه على نطاق إنتاجي.

رابعاً: إيجاد نظم الرقابة

تعتبر نظم الرقابة المستقلة بشكل جيّد الوسيلة الوحيدة لاستعادة الثقة العامة بسلامة الأغذية، فضلاً عن أهمية توحيد نظم تحليل المخاطر على البيئة على الصعيدين المحلي والعالمي.. كما سيساهم ما ذكر أعلاه في توجيه علوم الحياة بأكملها لإدارة الموارد الطبيعية والتوصل إلى نظم إنتاجية زراعية متكاملة.

كاتب وأكاديمي سعودي


alialbarrak@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد