Al Jazirah NewsPaper Monday  02/06/2008 G Issue 13031
الأثنين 28 جمادى الأول 1429   العدد  13031
الفقيد د. صالح بن عبدالله المالك ذو الأمانتين وفقيه اللغتين
د. صالح بن عبدالله بن حميد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن من سنن الله عز وجل أن هذه الحياة لا تصفو لأحد، يتقلب المرء بين أفراحها وأتراحها، يذوق من حلوها ومرها، وحزنها وسرورها، والسعيد من وطن نفسه لذلك وأدرك أن لا عيش إلا عيش الآخرة.

والمصائب يبتلي الله بها البشر امتحاناً وابتلاء، فهنيئاً للصابرين {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

ولقد فجعنا يوم الاثنين الماضي (21-5-1429هـ) بفقد أخ عزيز وزميل كريم، إنه معالي الدكتور صالح بن عبدالله المالك الأمين العام لمجلس الشورى الذي وافته المنية بعد معاناة طويلة من مرض ألمّ به نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون تكفيراً له عن سيئاته وزيادة له في حسناته لقاء صبره واحتسابه.

إن حياة معالي الدكتور صالح المالك -رحمه الله- مدرسة في كل مراحلها، فهو الشاب الذي أبى إلا أن يدون في سجلات العلم شهادتي بكالوريوس إحداهما من كلية الشريعة والأخرى من كلية الآداب وهو الأمر الذي يقل أن تراه إلا من النجباء الأفذاذ، سلك أبواب العلم فأعطى العلم وأعطاه فخرج لنا أنموذج موسوعي في مختلف العلوم والمعارف، درس في أعرق الجامعات في العالم فنال شهادة الماجستير في علم الاجتماع ثم أتبعها درجة الدكتوراه في ذات التخصص فأضحى بهما من رواد العلم والثقافة وصناع النجاح، إلى جانب ثقافة شرعية متميزة وفقه في اللغتين العربية والإنجليزية حافظ وقته بين التفكير والتحضير منكب على عمله بين الإعداد والإنجاز.

لقد أثرى المكتبة -رحمه الله- من خلال تخصصه في علم الاجتماع والإدارة بعدد من الدراسات والبحوث العميقة والمميزة في الشؤون الاجتماعية والإدارية فأصل لعلم الإجرام، ولفت الانتباه إلى فئة المعوقين وإمكانية تدريبهم وتأهيلهم وكتب عن مراكز التنمية والخدمة الاجتماعية ووضع رؤيته في الحلول لمعالجة مشكلة التسول، وعرّف بثقافة الانتخابات.

وفي الميدان الإداري كان للفقيد دوره عبر سنين طويلة، حيث تقلّب بين عدد من المناصب فظهرت بصماته جلية، ورسم منهجاً في الإدارات التي تقلّدها لمن جاؤوا بعده، عمل -رحمه الله- أميناً عاماً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأسندت له وكالة وزارة الشؤون البلدية والقروية فكان ركناً من أركانها، لقد كانت إنجازاته مصاحبة كل عمل يؤديه، وفي كل علم يخوض معتركه.

واكب العمل في مجلس الشورى منذ بداياته بتكوينه الجديد فأكمل فيه ثلاث دورات متتالية عضواً من بين أعضائه فأظهرت تجربة الشورى فيه إنساناً معطاء منتجاً باذلاً فكان بحق من أهل الشورى والرأي، يثري الموضوعات طرحاً، فتدرك منه حسن طرحه، وقوة فكره، وحسن فهمه، وعمق تجربته، يقدم ذلك كله بلغة عربية يتجلى فيها جمال الفصحى، كان أهلاً للثقة حين اختير أميناً عاماً لمجلس الشورى فواصل مسيرة العطاء وأدى الأمانة. وقد حباه الله قلماً سيالاً في النثر والشعر، وخطاً جميلاً، وذائقة أدبية رفيعة، وله جلدٌ وصبرٌ على القراءة، فكان في بعض أسفاره يمضي معظم ساعات يومه في القراءة والمطالعة، حتى إنه ليصل ساعات نهاره بليله إلى أن يقترب الفجر.

لقد ملأت سيرته العطرة كل عمل تولى مسؤوليته، وشهد بإخلاصه وتفانيه كل من لازمه وعمل معه، يشعر من قابله بنقاء السريرة، ومودة القلب، ولطف المعشر، وصدق المعاملة، يعلو البشر محياه، لم تمنعه شدة الآلام التي كان يعانيها أيام مرضه من إظهار ابتسامة المحبة لكل من زاره، أو إبداء عبارات الودّ لمن هاتفه.

أما عن علاقتي الشخصية به رحمه الله فحسب القارئ الكريم أن يعلم أنني حين تشرفت بعضوية المجلس في أول دورة، كان أبو هشام أول من لاقيت وأكثر من جالست فقد كان مكتبه ومكتبي في جناح واحد فقضينا ثمان سنين عدداً في أحاديث ومطارحات وتبادل الرؤى والأفكار مع ما يتمتع به - رحمه الله- من روح الأدب والفكاهة والتمثل بالأبيات الشعرية مما يحفظه وينظمه كما كنا متجاورين في المقعد في جلسة المجلس العامة مما يتيح لنا ما يعرفه الزملاء الأعضاء أثناء مداولات المجلس من متابعة وتعليق جاد وهازل، ولقد كان - رحمه الله- سهل الاستثارة شعرياً فحالماً تلوح المناسبة أو يستقبل بقصيدة من زميل إلا ويبادر بمعارضتها بقصيدة مثلها بل أجمل منها مما يؤكد أصالته الشعرية وذائقته الأدبية وقريحته المتوقدة، وقد يستفتح القصيدة بمقطوعة نثرية بليغة تبين الباعث وتستهوي المتلقي وتنشر عبق العاطفة في خفة ظل ودعابة مجالسه وروح مشاركة، دقيق الاستشهاد، لبق الاقتباس، حسن العبارة.

لقد كان أبو هشام -رحمه الله- واحداً من الذين سطرت حياتهم سجلات زاخرة وعطاءات متدفقة قلما تجد مثلها في أبناء الزمان، فلقد فقده المجلس وفقده الوطن عالماً باحثاً إدارياً شورياً.

وإني لأرجو الله سبحانه أن يعوضنا بفقده خيراً وأن يجعل ما أصابه في أواخر عمره تكفيراً له، وأن يعظم أجره وأن يغفر له، وأن يجمعنا به في دار كرامته ومستقر رحمته، وأن يلهمنا ويلهم أهله وأسرته الصبر وحسن العزاء، ويصلح عقبه وذريته إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

رئيس مجلس الشورى



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد