Al Jazirah NewsPaper Wednesday  04/06/2008 G Issue 13033
الاربعاء 30 جمادى الأول 1429   العدد  13033
شكراً أمير البشائر
صالح بن محمد أبا الخيل

شمس يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر جمادى الأولى

تماماً هي ذاتها الشمس التي عهدناها..

أشرقت بازغة علينا بنورها معلنة ميلاد يوم جديد..

ماكادت تمر سريعاً حتى عاركت خيوطها الذهبية خيوط سوداء ..

مشهد ألفناه..

وكنا نعرف النتيجة..النصر للحلكة..

أطبق علينا الليل بسواده..

فحتى القمر لم يقدر على قهر الظلام ويسطع..

بل أعلنها محاقاً..

هجع البشر إلى فرشهم بعد أن أمضوا يومهم في السعي و العمل..

هكذا هم البشر لا يقاومون التعب والإرهاق..

وأنا لست إلا واحداً منهم فهجعت مثلهم..

سكون كان يعم الأرجاء..

هدوء مطبق..

لا حركة ..

فالجميع نيام..

رنين جرس الهاتف قطع هذا السكون..

فزعت..

ياترى من؟!

من هذا الذي لم ينم ويريدنا الآن؟؟

انقبض قلبي فالشيطان ما فتئ يحيلني متشائماً رغماً عني..

لابد أن مكروهاً قد حدث..

التقطت أمي سماعة الهاتف..

(نعم من المتحدث؟؟)

(أهذا منزل فهد؟)

(لا)

(أوَ أنتِ أم فهد؟)

كعصفور رُشق بالماء انتفض قلب أمي..

(نعم أنا أمه)

(أهلاً أم فهد.. أين والده؟)

تناول أبي السماعة..

(أهلاً..من معي؟)

(أنا .. أنا محمد بن نايف)

أبي مستغرباً..

(محمد بن نايف!! أي محمد بن نايف أنت؟)

(أنا مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية)

(سمو الأمير!! بربك أأنت هوَ؟؟

أي سعد طرق هاتفنا الليلة؟؟

أهلاً بك رجل النخوة..

ولتعذرني..

فوربي لم أتوقع أن أحظى بهذا الشرف)

(أبا فهد..

أنا من يعتذر إليك..

أعلم أني قد أزعجتكم وقطعت نومكم باتصالي في هذا الوقت

ولكني أحمل بين يديَّ بشرى..

أعلم أنكم تتشوقون لها وتطلبونها ولو في آخر الليل..

فلا أحد يخفى عليه قلب الوالدين..

ابنكم فهد قدم من أرض الرافدين إلى هذا الوطن)

فغر والدي فاه وتحدقت عيناه..

(ماذا؟؟ من فضلك ماذا تقول؟؟)

(نعم وصل فهد إلى السعودية فأردت أن أبشركم)

(الحمد لله..

بشرك ربي بالفردوس ..

هذا هو ماعهدناه منكم..

رجالٌ أحفاد رجال..

النخوة لكم عنوان..

والشهامة منكم تغار)

أمي لم تتمالك نفسها..

طلبت من أبي أن تحدث سمو الأمير..

أن تحدث هذا الشهم الذي غادر النوم عينيه طلباً لراحة أبنائنا..

أبداً لم يطب له فراش ولم يغمض له جفن..

حتى تأكد من وصولهم إلى هذه الديار..

وينقل إلينا الخبر بنفسه بكل تواضع..

وبكل أدب ولباقة ..

تناولت أمي السماعة..

حدثته..

ولكن لسانها انعقد ولم تستطع أن تفصح له عن كل ما في مكنونها..

وعدته بأن تقوم الليل كله ..

تحمد المولى وتثني عليه..

وتدعو لهذا الأمير..

انتهى الاتصال بهذا الهمام..

والذي مهما كتبت عنه فلم ولن أوفيه ولا جزءا بسيطا من قدره..

فيا ترى ماذا عساي أن أكتب عنه؟؟

عن جهوده الحثيثة في استعادة أبنائنا الأسرى؟؟

عن تطمينه لنا..

ماذا عساي أن أكتب عن أولئك الضباط الذين سيرهم رُسُل سلام..

يحملون سلامنا وأخبارنا إلى أبنائنا ..

وأخبار أبنائنا إلينا؟؟

نهضت أمي في الحال..

توضأت..

واتجهت إلى مصلاها..

في كل صلاتها كانت تحمد الله..

وتثني عليه..

وتدعو لهذا الأمير المتواضع المبشر ولأسرته..

لم تُرد أن تقتطع ولو جزءا بسيطا من وقتها لإخبارنا..

بل نفذت وعدها وأمضت ليلتها في مصلاها..

كلمات الأمير أحالت ظلام الليل أنواراً..

وصيرت هدوءه تهاليل واستبشاراً..

بدأ الصبح يبعث أنفاسه..

فنهضنا مع الطيور المسبحة لنصلي الفجر..

بُشرنا بالنبأ..

بعضنا ظن أنه لا يزال يعيش أحلامه الوردية

التي يكرر سيناريوهاتها كل ليلة..

فذهب ليجدد توضؤه علّ عقله يستيقظ..

أما أنا فلا أعلم ما حل بي ..

أخذت أسير في بهو المنزل جيئة وذهابا

كطفل شارد

أرمي ببصري يمنة ويسرة ..

من دون تركيز أو تفكير ..

بل حتى الدمعة بخلت عليّ بنفسها في هذه اللحظة

ربما هي مثلي لم تصدق الخبر

ولكن ما لبثنا أن أدركنا الحقيقة

فهد قدم إلى السعودية من أرض الرافدين..

مع الصباح أصبحنا نرى الأشياء مختلفة..

كل شيء كان فرِحاً..

الأزهار جذلى ..

والطيور تتراقص..

انتشر الخبر سريعا كأشعة شمس غمرت الأرجاء ..

كثُر المهنئون وتوافدت الاتصالات من كل صوب..

في مثل هذه اللحظات يشعر المرء بالناس الذين يحبونه

يقفون معه وقت الشدة..

ويبادرونه بالتهنئة عند الفرح..

ويالسعد أمة محمد صلى الله عليه وسلم..

فوالله إنهم أرونا مثالا حياً للترابط..

كالجسد الواحد..

حين استبشر منه عضو..

تراقصت بقية الأعضاء..

في تمام الساعة الواحدة والنصف من اليوم التالي..

كان لنا موعد آخر..

جلسنا على الغداء..

بعد أن ظننا أن الاتصالات ستهدأ..

ولكن هيهات هيهات..

حان دوري لألتقط السماعة ريثما يرتاح والدي..

بصوت هادئ ألقى المتحدث علي السلام..

هنأني بعودة فهد..

وأخبرني بأنه أحد المسئولين في وزارة الداخلية

وأن فهد سيحدثنا بعد نصف ساعة..

وما أطول هذه النصف على من ينتظر..

تحلقنا جميعاً على الهاتف..

نحدِّق فيه..

لو رآنا أحد لظننا من العصر الحجري..

وأن هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها هاتفاً..

لكنه لو علم من ننتظر لعذرنا..

وقبل ذلك لو علم صوت من قد حمل هذا الهاتف

للثم الهاتف من كل جنباته..

اتصل فهد وحدثنا واحداً تلو الآخر..

منّا من قدر على إكمال المكالمة..

ومنّا من غلبته الدموع فكانت هي وسيلة التحاور..

أمسكت السماعة وسكت فلم أستطع أن أنبس ببنت شفة..

سمعت صوته..

وحينها فقط أستطعت أن أستجمع قواي

وأن أتغلب على دموعي لأسأله عن حاله..

كان يحمد الله..

ويثني على الأمير..

يشكره من كل أعماق قلبه..

يشكر والده.. وأسرته..

انتهى الاتصال بوعد بالزيارة لفهد في يوم الغد..

كلنا كنا نلهج بالحمد لله

ثم الشكر لهذا الأمير..

في الغد زرنا فهد..

جلسنا معه..

كان يحمد الله كثيرا..

ولا أبالغ حين أقول..

بأن جل حديثه كان شكراً لهذه الدولة الرشيدة..

كان يقول..

إن الأسرى معي هناك..

يغبطوني على جنسيتي..

يغبطوني على دولتي..

يتمنون أن يكونوا مثلي..

أخبروني عن معاناتهم..

قالوا بأن دولهم لا تريدهم..

لا تريد أستقبالهم..

أما أنا فدولتي هي من تبذل جهودها لاستعادتي..

حين يغير مكاني كنت لا أخبر من ألتقي معهم عن جنسيتي..

مراعاة لمشاعرهم..

حيث أني أعلم رد فعلهم وانكسار قلوبهم..

فالكل يغبطني وليس في يده حيلة..

ولكن رسل هذا البلد تأبى إلا الإفصاح..

فلا تمر أيام إلا ويأتي ضباط من هذا البلد..

أو رجال من جمعيات حقوق الإنسان للاطمئنان علينا..

حينها..

يعرفون وطني..

فأرى دموع الغبطة في أعينهم..

إي وربي لا أبالغ..

فهذا هو الحاصل..

فيكفيني هذا فخراً بوطني..

كان يشكر الأمير من كل أعماقه..

يثني عليه ويبارك جهوده..

فالحمد لله الذي أعاد أخي أولاً وآخراً..

ثم الشكر لمحمد بن نايف..

نعم أقولها هكذا بكل بساطة..

دون ألقاب أو رسميات..

لأني عرفت هذا الإنسان..

عرفت بساطته..

تواضعه..

عرفت هذا الأمير بإخلاصه وتفانيه التام..

بعمله الدؤوب وعزمه المثابر..

عرفت هذا الأمير بأدبه ولينه ورقة تعامله..

عرفت هذا البشير ببشاراته العظيمة وأنبائه السّارة..

إن أنسب لقبا له فهو: (أمير البشائر)..

إن كل هذا الذي عرفته عنه ماهو إلا صفحة من صفحاته..

وإلا فمحمد بن نايف ليس إنسانا عادياً..

بل هو الأخلاق الفضلى تشكلت في صورة إنسان يمشي على الأرض..

ولا غرو فهذا الشبل من ذاك الأسد..

شقيق فهد

القصيم - بريدة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد