Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/06/2008 G Issue 13034
الخميس 01 جمادىالآخرة 1429   العدد  13034
شيء من
النديّة وحوار الأديان
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

بعض الذين يرفضون حوار الأديان من المثقفين المسلمين يرفضونه - كما يقولون - من منطلق غياب (الندية) بين المتحاورين؛ فالغرب أو العالم المسيحي، لديه القوة والهيمنة والتأثير على العالم، بينما المسلمين ليس لديهم من القوة ما يؤهلهم للتعامل مع محاوريهم بندية.

النديّة ربما تكون شرطاً في (المفاوضات)، أو المباحثات التي تتمخض عنها نتائج مادية تقوم على أساس تنازل أحد الطرفين للآخر، وشرط الندية هنا كي لا تكون هذه المفاوضات إذعانية؛ أما الحوار فيختلف عن التفاوض؛ فشرط الندية، أو التماثل في القوة، ليس ضرورياً؛ لأن تنازل أحد أطراف الحوار غير مطلوب في مثل هذه الحوارات كما هو الأمر في التفاوض. قبول أن يجلس ممثلو الأديان على طاولة الحوار، لا يعني أن كل طرف على استعداد لأن يقدم للآخر تنازلات عقدية، ستنتهي إلى (تمييع) العقائد؛ كأن يتخلى المسلمون - مثلاً - عن عقيدة (التوحيد)، أو يتخلى المسيحيون عن عقيدة (التثليث)؛ أو أن هذه الحوارات ستؤدي إلى الاعتراف المتبادل، أو القبول بالدين الآخر كدين صحيح.

هذه الحوارات تسعى في المقام الأول إلى الاتفاق على ترسيخ (التعايش) بين الأمم رغم تباين دياناتها، والابتعاد بالإنسان عن العنف الذي ينشأ عن الاختلاف بين الأديان، والبحث عن عوامل مشتركة تتفق عليها الديانات لتكريسها وتجذيرها طالما أننا نعيش الآن في ظل (القرية الكونية)؛ فجميع الأديان - مثلاً - تتفق على الوقوف بشدة ضد التفسخ الأخلاقي والعري والانحلال؛ وهي تتفق - كذلك - على محاربة الفقر والجوع والمرض والظلم. ومثل هذه القيم المشتركة فيما لو توحدت الجهود بين الأديان، وتضافرت المساعي الحميدة لتعميمها على أساس ديني مشترك، ستؤدي في النهاية إلى نتائج لابد وأن يكون لها أثر بالغ في تكريس التعايش بين بني البشر، إضافة إلى نشر الأخلاقيات ونبذ العنف والدم والقتل الذي ذاقت منه البشرية الأمرين. إضافة إلى أن مثل هذه الحوارات من شأنها أن تساعد في حل كثير من القضايا المعلقة والمعقدة، والتي يكتنفها (الظلم)؛ كقضية فلسطين على سبيل المثال؛ فمن خلال طرح هذه القضايا على طاولات الحوار على أنها قضايا عادلة، وأن الأديان تسعى إلى تكريس العدل والقسط بين الناس، نستطيع أن ندعمها، وأن نكثف الضغوط لدفعها نحو حل أكثر عدالة.

ومن أهم الانتقادات التي وجهت لمؤتمرات حوار الأديان أنها بدأت منذ ما يقارب الأربعين عاماً، وحتى الآن ما تزال أشبه ما تكون ب(حوار الطرشان)؛ حيث لم تسفر عن نتائج حاسمة من شأنها تفريغ الاحتقان، وتكريس التعايش، واجتثاث العنف والكراهية والبغضاء.

ورغم أن هذا المقولة لا تخلو من حقيقة، إلا أننا يجب ألا نيأس، وأن نحاول تكثيف الإيجابيات، وفي الوقت ذاته الحد من السلبيات، حتى وإن احتاج الأمر إلى أضعاف هذه المدة، فليس أمامنا إلا هذا الخيار الوحيد وإلا فطوفان التطرف والدم.

وكما قال د. حامد الرفاعي رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار: (إن المطلوب منا كمؤسسات حوار هو أن نطفئ ثقافة العسكرة لصالح ثقافة السلام والعدل)؛ وهذا في تقديري غاية ما يجب أن نطمح إليه، ونضعه نصب أعيننا.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد