Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/06/2008 G Issue 13037
الأحد 04 جمادىالآخرة 1429   العدد  13037

عالمٌ آخر
د. موسى بن عيسى العويس

 

أخطر ما يواجه الإنسان حين يكون ضحية (الماضي، والحاضر، والحلم). إشكالية يعيشها الإنسان العادي، والسياسي، والمجتمع، ومن الطبيعي أن تنسحب آثارها على ثقافته. وقد لا يملك الإنسان بوصفه يمثل الجنس، والعرق، والحضارة في بعض مراحل التاريخ سوى الإحسان في القول، ورغم هذا التواضع والرضا التام لم يسلم حتى من بني جلدته من الهمز والغمز، لنجد من يقول عن الإنسان العربي: (إذا نصّبوا للقول قالوا فأحسنوا).

* من منظور نظرية (المثال)، لا تعد نظرة (الكمال)، والتشبث بها والسعي إليها عيبا في بناء الشخصية، طالما شكلت حافزا له يستمد من فلسفتها الإلهام. الأهم ألا نبتعد عن (الواقعية) في الحياة؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يقيم نفسه وما حوله إذا وضع ذاته في برج عاجي، وأصبح يجتر من التاريخ مثل هذا الإرث عن (الذاتية)، حين يقول:

إذا التقيتُ الأعادي يوم معركة

تركت جمعهم المغرور ينتهبُ

* ومن الطبيعي أن تكون (القبيلة) حاضرة في بعض الحالات كذلك:

ونشرب إن وردنا الماء صفوا

ويشرب غيرنا كدرا وطينا

* أما (المشهد السياسي) فهو يمتلئ من مبالغات المرتزقة بصورة أسوأ من سابقها، ويكفي أن تقف على مثل هذا القول:

تحاربه الأعداء، وهي عبيدهُ

وتدخر الأموال، وهي غنائمه

ويستكبرون الموت، والموت دونهُ

ويستعظمون الدهر، والدهر خادمه

* أينما التفت (العربي) وجد نفسه محاصرا بجملة من النعوت، والألقاب، إذن تورم الذات تلقائي عنده، وفي هذا الباب يقع الاختلاف بينه وبين الأجناس الأخرى في نظرية (المثال)، إذ نجد خلة التواضع، والتقليل من الذات وحجم الإنجازات قليلة عنهم مقارنة بنا، وهم يعترفون أن التواضع، والاعتراف بالقصور إحدى الوسائل المحفزة للنهوض بالفكر البشري. (ديجول) كان يقول عن فرنسا (دولتنا متخلفة عن العصر بنصف قرن، في التقنيات، وفي المناهج السياسية)، وأول معايير التقدم التي يضعها (سقراط) للبشر هي (معرفة الإنسان بنفسه). ولم يجد (اليابانيون) حرجا في ذواتهم، ولا مع (الاتحاد السوفيتي) أن يقولوا عنه: إنه متخلف إلى الأبد.

* في العالم العربي ربما يعد الحديث عن توصيف الواقع من المحاذير السياسية والاجتماعية، ويمكن تغطيتها بغطاء ديني يجرم تعرية الذوات، ويحظر ملامسة الحياة الواقعية، و(رجال الدين) لا يعوز بعضهم الاجتهاد في هذا الموضوع حين يريده، أو بمعنى أدق حين يراد منه.

* التقدم، أو التخلف لا يقاسان كما يقول (المناع) بالعمران، أو بناء المصانع لكنهما يقاسان بجماع عناصر التقدم الإنساني الشامل، العلمي، والصناعي، والثقافي، والفكري، والسياسي، والأدبي، والفني، إلى جانب مساهمة في حركة دوران الحضارات أنى كانت، وتحت أي ظرف. (أفلاطون) مؤسس نظرية (عالم المثل) تنازل عن بعض أفكاره ومثالياته، أما العرب فيسيرون بالاتجاه المعاكس حتى ولو كنا كمن يكتب على ماء، أو يرقم على هواء. أ-ه.

dr alawees@hotmail.com

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد