Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/06/2008 G Issue 13037
الأحد 04 جمادىالآخرة 1429   العدد  13037
رحم الله أستاذي صالح المالك
يوسف بن أحمد العثيمين *

فجعت ، كما فجع غيري من أهله ومحبيه وأصدقائه، برحيل معالي الأخ الدكتور صالح بن عبدالله المالك.. هذا الرجل الذي أُدين له بما يقول المثل الشرود: من علّمني حرفاً كنتُ له عبداً.

الناس -نادراً- ما تُجمع على محبة إنسان، ما لم يكن جديراً بهذه المحبة، وذلك التقدير الذي ناله، وعبّر عنه هؤلاء الناس من خلال ما نشرته (الجزيرة) منذ أكثر من أسبوع، وما زالوا.

لقد عجبتُ من توالي الذين كتبوا عن سيرة ومسيرة هذا الراحل، الذين لم يتركوا جانباً من شيم الوفاء، وعبارات الإطراء، ومواقف الرجولة، وأحاديث العصامية، ومظاهر الجدية في حياة هذا الإنسان إلا أتوا على جوانب منها، حتى يتخيل لي أنها تمثل عندما تنتهي مادة لكتاب ثريّ عن حياة أبي هشام، والذي آمل أن تنبري صحيفة (الجزيرة)، كونها التي نشرت مشاعر هؤلاء الناس، لإصدار هذا الكتاب، ليكون تكريماً وإحياءً لذكرى الراحل، وليعرف القارئ أن مجتمعنا السعودي يُنتج أمثال هؤلاء الرجال، ويعرف -أيضاً- أننا مجتمع وفاء وتقدير لمن يستحقه.

عرفت أبا هشام منذ ثلاثين عاماً عندما عاد من بعثته للخارج، مزوداً بسلاح العلم النافع، ليكون (أول) سعودي يحمل درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، ليدرّس في (أول) قسم للدراسات الاجتماعية في المملكة عام 1395هـ، في جامعة الملك سعود.

لقد كنت حينها طالباً في ذلك القسم، وكنت واحداً من طلابه، لمدة سنتين متتاليتين.

وعندما عُيّن أميناً عاماً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ظل يواصل تدريس مادته في الفترة المسائية حتى لا ينقطع عن طلابه في منتصف العام الدراسي، مع أنه كان بإمكانه أن يحمّل هذه المهمة لغيره بعد انتقاله، وأكبرنا -نحن طلابه- هذه الروح الانضباطية، وهذا الالتزام الأدبي والأخلاقي، والذي ظل يلازمه طوال حياته رحمه الله.

وحتى عندما ترك الجامعة -جامعة الملك سعود- ظل على علاقة وثيقة معنا، وكان يستقبلنا في منزله، ويسأل عنا، ويتفقد أحوالنا، ويتابع تطور مراحل دراستنا حتى تخرجنا، واطمأن على مسار حياتنا العملية، وكان فخوراً جداً بنا، ويتباهى بنا أمام أصدقائه.

ظلّت روح العالم والباحث الجاد، والأستاذ المنضبط خلقاً وديناً وسلوكاً وعلماً في جميع مراحل حياته، حتى حطّت به عصا التسيار في أروقة مجلس الشورى عضواً، ثم أميناً عاماً له، وكان نعم الأمين.

بقي أن أقول: إنه كان -دائماً- عندما أقابله، في السنوات الأخيرة من حياته، يهمس في أذني ويقول: أتنبأ أنه سيكون لك موقع رفيع في الدولة في يوم من الأيام.. ويشاء الله أن يُتوفى في اليوم الذي أُبلغت فيه ثقة ولي الأمر بتكليفي وزيراً للشؤون الاجتماعية.

وددتُ -يا أستاذي- أن المولى أمدّ في عمرك سويعات لتعلم أن تلميذك أصبح مسؤولاً في الدولة.. ولكن إرادة الله نافذة.

عزاؤنا في مآثرك وذكراك، وفي أبنائك وبناتك.. رحمك الله وأموات المسلمين جميعاً.

* وزير الشؤون الاجتماعية



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد