Al Jazirah NewsPaper Monday  09/06/2008 G Issue 13038
الأثنين 05 جمادىالآخرة 1429   العدد  13038
يارا
عبد الله بن بخيت

قبل كم يوم فتحت اليوتيوب فأطلت علي فجأة المطربة المصرية القديمة نجاة الصغيرة. أعادتني أغنيتها (ساعة ما بشوفك جنبي) إلى أول السبعينيات الميلادية من القرن الماضي. إلى تلك الأيام التي كنا نتفرج عليها بطاقة بركانية. كانت امرأة فوق ما نتصور أو نتمنى. لا أستطيع أن أصف لك الإمكانيات التي كانت تمتلكها تلك المرأة المربربة الخاثرة. كان حضورها طاغيا. تبسط على القلب نفوذا غير قابل للمراجعة. كانت الصورة بالأسود والأبيض. هذا لا يهم, فالخيال كان سيد ذلك الزمان. كنا نأخذ قطعة صغيرة من كل شيء جميل ونوفر لها من الخيال ما يكفي لاكتمالها. كنا نصمت أمام الشاشة إلى درجة الموت وفي اللحظة التي تلتفت فيها إلى الفرقة تحدث الصعقة القاتلة, تعود مرة أخرى لمواجهتنا بابتسامتها المرتخية وتنثرها الانثوي الخلاق. ما أن ينتهي البث التلفزوني حتى نكون قد ثبتناها في خيالنا ببراغي. نأخذها معنا إلى مقاهي كيلو ستة في جولة ثانية من المضغ الجماعي. كأننا على مفطح في ثليم. نطلب برادين ابو اربعة وكل واحد يطلب شيشة، ثم نبدأ في علك جمالها حتى تهلك حنوكنا. بعد الساعة الثانية صباحا تتفكك روح الجماعة الصغيرة العاشقة فنتفرق كل في طريق.

كنا (ننوم) في السطوح: كتمة وحر وبقايا غبار وأصوات كلاب وقطط تتصارع، وربما يعبر جسدك صرصار ضال دون أن يكترث أيكما بالآخر. يستلقي الصغير وسط هذا كله على فراش مهترئ، وبعد عدة حركات تصحيحية يكون قد وضع جسده في مكانه الصحيح بين النجوم المنتثرة في سموات الرياض النقية. يركض لاهثا في أرجاء الكون. يبحث عن حبيبة صغيرة تملأ القلب الخلي. تتحول النساء القلائل في خياله إلى نجمات بعيدة، والنجمات لا تلبث أن تتحول إلى أوهام. السراب هو حقيقة الحب الدائمة. عندئذ لا تجد نجاة الصغيرة من ينافسها في سراب الحب الكاوي, فيعود إلى الشوق والرغبة منهيا جولة الأوهام. وجهها كان العقبة الوحيدة. تقلقه شفايفها. على بروزها وكبرها وامتلائها لا سلطة لها على تمرد الأسنان. كان يظن أن النعومة وانسجام القسمات هي أصل الجمال. الخشم الكبير أو الأسنان الناتئة أو الشفايف البارزة معاول قبح لم يرتق خياله بعد إلى التوحش الشهي، وأن الانثى لا تكون جميلة إلا بمترد في وجهها تتعارك معه. الجمال لا مكان له في الهدوء. حضور محير وقوة تتنامى باستمرار وصراع دائم من أجل الكمال حتى إذا انتصف في الأربعينات من العمر يكون كل شيء في الأنثى قابل للانفجار. ولكنه كان مراهقا صغيرا. يبحث عن سندريلا وبنت السلطان وبنت الجيران، مؤجلا شؤون الحب الأخرى لزمن آخر. ترتخي أجفانه على صوتها وهي تغني (ساعة ما بشوفك جنبي ما اقدرش أداري واخبي وابكي من فرحة قلبي وانسى العذاب) وبعد خمس وثلاثين سنة يستيقظ على أغنية السطوح القديمة ملقاة في مستودع اليوتيوب. هذا هو الزمن الآخر.

فاكس 4702164


Yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد