Al Jazirah NewsPaper Monday  09/06/2008 G Issue 13038
الأثنين 05 جمادىالآخرة 1429   العدد  13038
بلدي ما زال رائداً في زراعة الكبد
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

إن كتابة مقال طبي غالبا ما يصاحبه شيء من الإشكال وذلك حين يكتب بغير لغته ومراجعه، أو أن يعده من لم يألف أمرا كهذا؛ لذا كان من المناسب أن يكون المدخل من خلال السؤال - زراعة الكبد ولماذا؟، وهذا يحتم إعداداً مبسطا دون تجاوز للحقائق العلمية.

إن أمراض الكبد تشكل تحديا طبيا يصعب تجاهله، وهذا الأمر ليس على المستوى الإقليمي؛ بل على مستوى العالم بأجمعه، وهنا نلاحظ التزايد المطرد في مجال البحث العلمي، ويدرك هذا من يتابع الطفرة الكمية والنوعية في مجال البحث العلمي وما ينتج عنه وبالذات ما يتعلق بأمراض وجراحة الكبد، وسنلاحظ ذلك الانعكاس المنطقي ما بين حيثيات العلم وإشكال أمراض الكبد الكثيرة؛ غير أن أهمها حجم الانتشار المتمثل في الالتهابات الفيروسية بأنواعها، وذلك على مستوى عالمي، وإن تفاوت انتشاره، ولقد استطاع الجهد العلمي أن يحدد ويفصل العديد من أنواع الفيروسات المسببة لأمراض الكبد الوبائية، ومنها الفيروسات A, B, C, D, E, G .

ولتحديد الأثر المزمن لكل نوع فإن المحصلة على سبيل المثال للفيروس A لا يسبب أي تأثير مزمن أما الفيروس B و C فإنهما يؤديان إلى التهاب كبدي وبائي ومزمن مخلفا من المضاعفات ما يمكن اعتبارها مؤشراً لخطر داهم مثل تليف الكبد الذي قد ينتهي بحالة من الاضطراب في جميع الوظائف الحيوية للكبد، ومن ذلك دوالي المريء، والقيء، وخلل في وظيفة التجلط الدموي، والارتشاح العام، والاختلاط التمثيلي للكثير من الأدوية لينتهي بما هو أخطر وأعني بذلك الإصابة بأورام خبيثة في الكبد والتي ربما تنتقل إلى مناطق أخرى من الجسم.

وهذا يأتي كنتيجة للإصابة بأحد الفيروسات B or C لذا لا بد من تفعيل سبل الوقاية لدى المجتمع بأكمله، وذلك من خلال وعي عام، والحرص على التطعيم وفق المتاح ضد الفيروس B .

ومن خلال استعراض سريع نجد:

أولاً: إن الفيروسات B و C ينتقلان إلى السليم من المصاب بأحدهما عن طريق الدم ومشتقاته، والمثال على ذلك الأدوات المستعملة في أمراض وجراحة الأسنان متى كانت غير معقمة فضلا عن نقل دم مباشرة من مصاب، ومن حسن الحظ أن منظمة الصحة العالمية ومن خلال جهود مشكورة استطاعت تعميم التطعيم ضد الفيروس B وما زال الجهد العلمي وأبحاثه تحاول إيجاد تطعيم للفيروس C ، ولقد بادرت المملكة العربية السعودية وبشكل واسع وجهد فعال في تعميم هذا التطعيم ضد الفيروس B ، وفيما يتعلق بالفيروس C فما زال الأمر قيد البحث حيث الكثير من الصعوبات وأهمها مكونات الفيروس نفسه، ولعل أفضل طرق الوقاية التأكد من سلامة ما ينقل إلى الأصحاء عند الحاجة (نقل للدم ومشتقاته).

أما بالنسبة للعلاج الطبي من الإصابة بالفيروس C فهناك بعض النجاح في هذا المجال، ومنذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي تضافرت جهود البحث لاستحداث ما قد يعتبر علاجا تتفاوت فاعليته من مريض إلى آخر، وأثره يرتبط بالمبادرة نحو العلاج في الوقت المناسب وهذا أجدى وأفضل.

ثانياً: كما أن هناك أسباباً أخرى لأمراض الكبد:

1- التهابات الكبد المناعية (خلل يصيب جهاز المناعة ليؤثر على الكبد مباشرة) وهي أكثر شيوعا بين النساء في الأعمار المتوسطة، وإن كان السبب غير معروف إلا أن سلوك مثل هذا المرض ينتج عنه مهاجمة النسيج الكبدي وتدميره بشكل تدريجي عن طريق مكونات جهاز المناعة المختلفة، وعلى مستوى العلاج فإن التقدم في هذا المجال يبشر بخير.

ثالثاً: التهابات الكبد المزمنة (الناتجة عن الاستخدام الطويل للأدوية وبالذات دون استشارة الطبيب وإجراء فحوص مخبرية بين فترة وأخرى) وتسبب بعض من هذه الأدوية التهابات خطيرة في الكبد وربما تحولت إلى حالة مزمنة.

رابعاً: المشروبات الكحولية وهذه تمثل سبباً رئيسياً للالتهابات المزمنة في الكبد، وقد تؤدي إلى تليف في الكبد وغيره من المضاعفات، وربما أن هذا أكثر انتشاراً في الدول التي ينتشر فيها تعاطي الكحول.

ما سبق نظرة عامة ومحدودة في تناولها لأمراض الكبد، وبالذات المزمن منها لنجد بعض الحقائق المتعلقة بذلك من خلال الدراسات والإحصاءات المسجلة في مجتمعنا السعودي ومدى انتشار هذه الأمراض الكبدية، ونتيجة للإصابة وتراكم المضاعفات بعد الإصابة بأحد الفيروسات الوبائية B or C فإن هذا قد يؤدي للوفاة متى كان في مراحله الأخيرة، ومن الملاحظ أن تراكم المضاعفات يتصاعد والأعراض المرضية قد لا تكون انعكاسا ملازما لهذا التراكم لأن الأعراض لا تعكس واقع الحال بتفاصيله، ولكن تشير إلى الحالة بمعنى آخر فإن حجم الأعراض لا يتناسب وواقع المرض - ولذا فإن هذا المرض الناتج عن الإصابة بأحد الفيروسات الوبائية B or C وما تخلفه من مضاعفات تتم وتستفحل دون تصاعد في الأعراض يهدي إلى الإصابة فهو مرض متى أدى للوفاة فإن هذا يتم غدرا أو بصمت، ولذا فهو قاتل صامت أو القاتل غدرا، وللتصدي العلمي في مجال الطب نستعرض بعض الأمور التالية:

- الكشف المبكر لأمراض الكبد يساعد على تجنب تليف الكبد من خلال العلاج الطبي المناسب.

- نسبة النجاح من خلال العلاج الطبي قد تصل إلى 50% لتلك الأمراض الفيروسية.

- ووفق المتاح من الإحصائيات المسجلة فإن سرطان الكبد يحتل أولوية الأمراض الخبيثة في منطقتنا.

- من خلال الإحصائيات فإن 10% من سكان المملكة يعانون من أمراض الكبد لسبب ولآخر في الوقت الذي لا يعلم المريض مدى خطورة إصابته، وهذه إحدى النتائج لنجد أن المريض وحين إجراء فحص شامل تتبين الإصابة بأحد الأمراض الكبدية أو حين مراجعته بشكوى محددة.

وحينها فإن دور العلاج الطبي قد يتوقف ليأتي دور آخر للعلاج (الجراحة) ومنها زراعة الكبد، وهو الحل الأمثل.

ومن المناسب أن نستعرض تاريخيا أموراً يسرني أن أسجل معها أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الرائدة في مجال زراعة الكبد في عالمها العربي والإسلامي.

وللوقوف على هذا الأمر لا بد أن نتذكر البروفسور توماس ستارزل الذي كان جراحا متفانيا مع المرضى الذين يعانون من فشل كلوي، والذي توجهت أبحاثه فيما بعد على مشكل الكبد حيث بدأ يفكر في إمكانية زراعتها، ويعتبر البروفسور ستارزل رائد زراعة الكبد في العالم، وقد عمل من خلال أبحاث مضنية بجامعة بيتسبرج - بنسلفينيا - الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن حسن الظن أن أحد الجراحين بكلية الطب - جامعة الملك سعود - حظي بالتدريب والتأهيل الأكاديمي في مجال زراعة الكبد على يد هذا الأستاذ العظيم؛ حيث بقي هناك ما يزيد على سنوات ثلاث، وأعني بذلك الأستاذ الدكتور محمد بن إبراهيم السبيل الذي بجدارة أعتبره رائدا لزراعة الكبد في المملكة، وبعد عودة الدكتور السبيل إلى وطنه بدأ برنامجه الرائد في مستشفى الملك فهد للحرس الوطني، وذلك أوائل التسعينات.

ويجدر بنا تاريخيا أن نذكر برنامج زراعة الكبد بالمملكة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي؛ حيث تمت أول زراعة للكبد في عام 1990م بالمستشفى العسكري بالرياض تحت إشراف أحد الأطباء الألمان وقد تكللت بالنجاح - وتعاقبت إجراء العديد من العمليات في نفس المستشفى، ومع الأسف لم يكتب لأي منهم النجاح، وتم توقف هذا البرنامج، ومع انتهاء هذا البرنامج بدئ من جديد في محاولة أخرى وذلك في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث مستعينا بجراحين أجانب من جامعة فرجينيا الأمريكية، وذلك في عام 1994م، وفي عام 1996م تم إيقاف البرنامج حيث إن النجاح كان نسبيا ومتدنياً - حيث تمت زراعة ما يقرب من (45) حالة للأسف لم يحالف الحظ معظمها لتحقيق أي نجاح يذكر.

وفي مستشفى الملك فهد للحرس الوطني حيث بدأ البرنامج الطموح بإشراف وتنفيذ الدكتور محمد بن إبراهيم السبيل تم إنجاز ما يقارب من (100) عملية، وبلغت نسبة النجاح ما يقارب من 85% في الفترة بين عام 1994م - 1998م، وهذا الإنجاز بلا شك يستحق الريادة كما سبق وأن ذكرنا.

وبعد استقرار برنامج زراعة الكبد في مستشفى الملك فهد للحرس الوطني تم انتقال الدكتور السبيل إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ليبدأ مرحلة مرادفة لما سبق حيث ما زال على رأس العمل في نفس المستشفى - علماً أنه بدأ برنامجه في عام 2001م من خلال عطاء يواكب الحديث من العلوم في هذا المجال عالميا.

وهنا أشير بجانب استمرار زراعة الكبد من متوفى إلى مريض فقد تم استحداث جراحة مرادفة تتمثل بأن تتم الزراعة من الأحياء (من الأم إلى طفلها مثلا) أو ما شابه ذلك.

والبرنامج في تواصله مع الجديد محط أمل لمن يعاني من هذا المرض الصعب وغنيا عن القول إن القارئ يؤمن بما نؤمن به أن خير وسيلة للتقدم والازدهار العلم ولا غير.

وقانا الله وإياكم من هذا المرض، وما نحن إلا في حالة من الهروب من أقدار الله عز وجل إلى أقدار.

والله الموفق.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد