Al Jazirah NewsPaper Monday  09/06/2008 G Issue 13038
الأثنين 05 جمادىالآخرة 1429   العدد  13038
الحبر الأخضر
لماذا نخشى الحوار؟!
د. عثمان بن صالح العامر

كان الحوار وما زال هو وسيلة تواصل المسلم الصحيحة مع الآخر المخالف، والطريق الأمثل الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والدعاة والمصلحون من بعدهم لإبلاغ كلمة الله، وليس هذا فحسب، بل إنه عليه الصلاة والسلام (هو من أصَّل فكرة حوار الأديان عندما بادر بفتح حوار غير مشروط مع اليهود فأمنهم على دمائهم وأموالهم وجاورهم وتعامل معهم في الأسواق والتجمعات وسمع منهم واستمع إليهم، كما حاور النصارى وأعطاهم عهد الأمان)، إضافة إلى أن (فكرة حوار الحضارات ترجع في أصولها الأولى إلى رسول الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الذي راسل الملوك والحكام في الدول المجاورة وتعامل معهم على أساس التعايش السلمي وحسن الجوار) والشواهد والأدلة في هذا الباب الذي كثيراً ما طرقه الباحثون وأهل الاختصاص كثيرة ومختلفة، وتأتي دعوة خادم الحرمين الشريفين التاريخية لحوار الأديان السماويات تجديداً لهذا المسار الدعوي المبارك وحتى يُسمع صوت الإسلام وتنزع تلك الموانع الإعلامية التي أصمّت الأذان عن سماع صوت الحق المبين، ومع يقيني بأن طرح أي مشروع عالمي له صلة مباشرة بالأيديولوجيات والعقائد المتصارعة ليس بالأمر الهيِّن، ومع قناعتي التامة بأن القدرة على توظيف هذا المشروع المطروح التوظيف الأمثل ليحقق المصلحة التي خُطط لها هو أشد صعوبة من مجرد التبني لهذا المشروع وإعلانه بين الشعوب، ومع اعتقادي الجازم بأن اختيار تاريخ طرحه وآلية عقده وإقناع الآخرين بأهميته والقدرة على إتمامه فعلياً كما هو على الورق هي كذلك مجتمعة أمر أصعب بكثير مما سبق.. مع كل ذلك إلا أن توفيق الله أولاً ثم عزيمة وإرادة وحرص خادم الحرمين الشريفين ثانياً وثالثاً تكاتف الجهود في هذا العمل التجديدي الهام هذه العوامل مجتمعة سهّلت الأمر وقصّرت المسافة وستكون ثمار هذه الجهود مباركة بإذن الله خاصة مع إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي للتواصل بين الحضارات بهدف إشاعة ثقافة الحوار وتدريب وتنمية مهاراته، وكذا إعلان ميلاد جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للحوار الحضاري، ومنحها للشخصيات والهيئات العالمية التي تسهم في تطوير الحوار وتحقيق أهدافه، إضافة إلى تكوين هيئة عالمية للحوار تضم الجهات المعنية بالحوارات في الأمة الإسلامية والتي أوصى بها المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار في جلسته الختامية نهاية الأسبوع الماضي، ومع كل هذه الجهود المتميزة، ومع كل ما قيل وكتب من أهمية الحوار في إيصال كلمة الإسلام خاصة في عصرنا هذا إلا أن منا من يخشى الحوار ويتوجس منه سواء الوطني أو العالمي، نعم هناك منا من يخاف من الحوار ويعلن عدم رغبته به، وغالباً يقف خلف ذلك أسباب عدة البعض منها منطقي ويحتاج إلى نقاش واسع وتصحيح والبعض الآخر مجرد حيل شيطانية واهية، وأهم هذه الأسباب في نظري:

* لأننا باعتبارنا أمة إسلامية واحدة لا نملك مشروعاً حضارياً نهضاوياً متكاملاً يصلح للتطبيق المعاصر ويجيب على أسئلة الإنسان أينما كان وفي جميع ضروب الحياة المختلفة، نعم لدينا القرآن والسنة، ولكن هل استطعنا بناء مشروع تنموي حضاري معاصر يتكئ على النص ويمكن تطبيقه في عالم اليوم ويحقق القاعدة المعروفة من كون هذا الدين صالح لكل زمان ومكان؟ وحتى لا أصادر جهود المفكرين والمنظّرين والساسة والمصلحين، نعم هناك محاولات عدة هنا وهناك والحديث فيها يطول ولكنها في نظري ليست ناجزة وملائمة للتطبيق الشامل (السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني و...) حسب المعطيات التي تحيط بعالمنا الإسلامي اليوم.

* لأن واقعنا السلوكي والحياتي يختلف في كثير من صوره عن حياة المسلم الصحيحة ولذا فنحن بصورة عامة دون تخصيص لا نتمثّل الدين الإسلامي كما هو في النصوص خاصة في باب الأخلاق والسلوك مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والمحاور المخالف يقرأ الواقع السلوكي قبل غيره لأنه هو الألصق به كما يطلع على النص ويعجب للتناقض بين (الواقع) و(النص)، وأثر المشاهدة والمعاملة أقوى وأعمق من المكتوب.

* لأننا لا نملك أسلماً واحداً، بل نحن فرق وجماعات، الاختلاف بينها يصل إلى القضايا المفصلية الهامة.

* لأننا لا ندرك حجم التحديات التي تحيط بنا وتتهم هويتنا الدينية بالإرهاب تارة والهمجية والوحشية والتخلف والرجعية و... تارات.

* لأننا عشنا في بيئة إسلامية وتعودنا على سماع الأذان والقرآن ولذا لا نستشعر ماذا يعني ذلك عند الغير؟ ونظن أنه لن يضيف لهم جديداً وهو في نظري ظن خاطئ، وكل يعلم ماذا فعل القرآن بالطفيل وأبي الوليد وغيرهما كثير.

* لأننا على العموم نخشى من الانهزام وعدم القدرة على الرد وتفنيد الشبه وإبراز الحجة وهذه سمة أصحاب العقول المغلقة لا المرنة المنفتحة التي تملك القدرة على النقاش وحسن الاستماع للطرف الآخر وإن كان مخالفاً ومعرفة ما لديه ودحض شبهه والرد عليه.

* لأن مناهجنا - في الغالب - لم تركز على بناء القناعات الذاتية الداخلية، وطرائق التدريس في مادة العقيدة ما زالت في نظر هؤلاء المتوجسين من الحوار أعجز من بناء الحصانة الداخلية لدى النشء ولذا يلازمنا الخوف على مسلمات أولادنا والحذر من الحوار مع الآخر المخالف.. لأننا.. لأن.. أسباب عديدة تحتاج إلى صدق مع الذات وفتح قناة حوار حر حولها بين بعضنا البعض وبهذا تصبح عقولنا مرنة قادرة على النقاش بثقة ويقين بمسلماتها العقدية والعبادية والتعاملية، بل حتى عاداتها وتقاليدها المتوارثة من جيل لجيل.





لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد