Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/06/2008 G Issue 13039
الثلاثاء 06 جمادىالآخرة 1429   العدد  13039
قال الراوي!!!
محمد أبو حمرا

يبدو لي أن (طفرة) الاهتمام بالتاريخ والأنساب قد خبا وهجها، وأن الراوي أو كما يسميه العوام (الراوية) قد حل محله نوع آخر لاتجاه آخر في حياة اليوم، فلم يعد شباب اليوم في حاجة إلى غزا بنو فلان على بني فلان، وقتلوا الفارس فلانا وكسبوا حصانه أو فرسه المعنقية أو الصويتية أو نحوها، ولم يعد الراوي يفسح له شيخ العشيرة مجلسا قريبا منه، ويبتسم له حينما يقول له: كان جدك وجد جدك يفعل ويقول، لأن رواية الراوي تجد ما يدحضها من حجة وبرهان لا يستطيع (الراوي) إلا أن يغض الطرف ويسكت بلا إجابة وعلى خجل.

ولم يستطع الشاب ولن يجد وقتاً لأن يتعلم ما معنى كلمة (رهوق) و(اللال) و(النضو) ونحوها مما يقول الشعراء.

يا راكب اللي ما ترقع رهوقه

حر على قطع أشهب اللال صبار

هاته ودنه وانسف الكور فوقه

ليست هذه الكلمات والمفاهيم مهمة له، ولن يحتاجها الشباب الآن، لأن اتجاه حياته يقوم على العلم والرقي في الفكرة والتنظيم والعقلانية في الطرح، ثم ثمرة التفكير التي يجنيها. أما من يدنون الراوية أو الراوي فقد انتهوا بلا رجعة، رغم أنه ما زال جزء منهم يحاول أن يغرس شقاء حياته وحياة أبيه في مخيخ ابنه، فيحكي لهم: كان يا ما كان في قديم الزمان، ويستمر في حديثه، بينما تجد الشاب مشغولا يدير بأصابعه فأرة الكمبيوتر والكي بورد وهو يهز رأسه مثل فأرة جهازه ولا يستوعب شيئا من المفردات التي التهمتها لغة الكمبيوتر الآن.

قال الراوي: إن تيسا له أنف بارز شبه مستدير وقف على جدار طويل ومر به ذئب جائع، فصار يبصق (أكرمكم الله) على الذئب ويقول له: يا جبان، ثم يضحك، فرفع الذئب رأسه للتيس وقال له: إن الذي يبصق هو الجدار لا أنت! فلو سقط الجدار فو الله لن تكون أمامي إلا باكيا لا ضاحكا.

انتهى كلام الراوي، فضحك من في المجلس وقال المتقعر المتعر وهو ينظر لشيخ العشيرة لكي يجد الاستحسان منه: أهب يا الذيب يا طيبه طيباه!!

لكن ما هي ثمرة تلك الحكاية لشاب يشق طريق حياته في البحث عن الأفضل في التعامل مع معطيات العصر الحديث، وهمه مستقبله الذي يصنعه هو بيده بعد توفيق الله؟

يبدو لي أن الابن نسخة مكربنة من أبيه، فالأب هو الذي يقولب ابنه حسب القالب الذي يريد أن يكون عليه، لذلك تجد سعيدا ومحروما في الشباب اليوم، لأن من جالس أصحاب الفكر الجيد والطموح الراقي حتما سيكون مثلهم أو أقل منهم قليلا، لكنه لن يندم، أما من يضيع وقته في سرد الحكايات وفي قيل وقال فسوف يندم على شبابه الذي أضاعه دون أن يخرج بشيء لمستقبله.

أعتقد أن زمن الراوي قد انتهى ومات أثره، وأن حكايات السعلوة والثور أبو أربعة قرون لم تعد مغرية، لأن جيل اليوم لم يعد في حاجة إلى أن تبنى له مدن من رمل تذروه الرياح فلا يبقى له أثر بعد عين.. فهل يعي الشباب ذلك ويعيشون حياة العصر الذي هم فيه وجزء منه رغما عنهم؟



abo_hamra@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7257 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد