Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/06/2008 G Issue 13039
الثلاثاء 06 جمادىالآخرة 1429   العدد  13039
حوارالأديان..ضرورة حياتية
عبدالله بن محمد السعوي

يتعذر في ظل هذا الإيقاع العصري المتسارع تقوقع الأنا عن غيره، إذ بات تشابك الأبعاد العلائقية وما تواجهه من تحديات إزاء قضايا مشتركة، يفرض على الأنا أن تدلف في الحوار لتحقيق المصلحة الكلية التي تجمع بين البشر بشكل أو بآخر؛ الرسالات السماوية تمثل حركة تكاملية

تصاعدية في بناء الحضارة الإنسانية، ولذا ففكرة حوار الأديان التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله-، والذي ارتبط اسمه بالحوار من خلال تأكيده الدائم عليه، ومن خلال تأسيسه لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني هي فكرة رائدة، ودعوة تنطلق من بدهيات الثقافة الإسلامية، إنها دعوة ذكية لأنها خطوة محورية في مواجهة تحدي الانغلاق والجهل وضيق الأفق، ولأنها تنطلق في وقت يتعرض فيه الإسلام لهجمة شرسة، وحملات مغرضة، لتشويه صورته، وفي وقت تتعرض فيه الجاليات الإسلامية في الغرب لضغوط مقلقة، هذه الدعوة لا تعني ذوبان الأديان في بعضها بقدر ما تعني فهم الأديان لحقيقة بعضها، وكنه محتوياتها إنها تعني التعريف بالإسلام في أوساط أمم تجهله، وتعني أيضا السعي لتحقيق تعايش آمن، تحقن به الدماء، وتسكن به الثائرة، وتتجسد به مصالح حياتية بين البشر، وليس المقصود بها الدمج بين الأديان، والخلط بين الملل، والسعي إلى توليد إطار عقدي مشترك يمسخ خصوصياتها العقدية، إن حوار الأديان ليس فكرة وليدة بل بدأت منذ نصف قرن عندما دعا المجتمع الفاتيكاني المنعقد في الفترة 1962- 1965 إلى التقارب بين الأديان، وأعقبه مئات المؤتمرات والملتقيات تحت عنوان (التقارب الإسلامي المسيحي)ثم (الحوار الإسلامي المسيحي) وبعد اتفاقية (أوسلو) سميت (حوار الأديان الإبراهيمية) ثم في عصر العولمة سمي ب(حوار الأديان) أو (حوار الحضارات) ليجري إدراج الفلسفات الوضعية من هندوسية، وبوذية، وكونفوشية وغيرها. إن واقعنا المعاصر يؤكد وبإلحاح متناه أن قضية الحوار بين الأديان ترقى إلى مستوى الضرورة الحياتية التي ينبغي أن تقابل بالجدية اللازمة. لقد حاورالله- جل في علاه- عباده، فحاور الملائكة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}، بل حاور أشر خلقه، إبليس الذي بلغ من السوء منتهى آفاقه، وباشر الأنبياء بدورهم حوارات واسعة مع قومهم حتى إن أصحاب نوح قالوا له وبمنتهى الضيق {قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} وكان لرسولنا- صلى الله عليه وسلم- الدور الحيوي الهام في عملية الحوار فقد تحاور مع اليهود والنصارى، وكان يراسل الملوك في زمانه، وكان يستقبل الوفود الدينية المتباينة ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، بل نجد أن الحوار يتم في حديث الإنسان مع ذاته في حركة التفكر الباطني (المنلوج الداخلي) حيث يدور الفعل الجدلي في باطن الأنا بين احتمال واحتمال، وفكرة وفكرة، بين الإثبات تارة والنفي أخرى يدور التجاذب بين منطق العقل ومنطق الوجدان، قبل أن يتم الحوار مع الآخر يجب أن يجري الحوار بين مكونات الأنا وتنويعات الذات الجمعية أي حوار إسلامي، إسلامي، مع مراعاة أن ثمة ثوابت قطعية لا تقبل الجدل ولا أنصاف الحلول، وفي المقابل ثمة مسائل قابلة لتعدد الرؤى وتفاوت التصورات التي تجتهد في سبيل تلمس الحقائق الموضوعية، ولكن الخلاف المقبول هنا هو ما اتكأ على دقة علمية ونسق استدلالي سليم. إن فكرة الاحتكار المعرفي للمفردات الفكرية هو فرع عن عدم الإيمان بمبدأ الحوار وعدم وعي أهمية التلاقح الجدلي الذي يعدد من فرص الإطلالة أكثر من رؤية في وعي الحقيقة والوقوف على معالمها. الاطلاع على أكثر من وجهة نظري شكل جزءا مهما في مقاربة الحقيقة، وفي النهاية تتكامل الأجزاء في توليدها لصورة جلية الملامح بدلا من انطواء كل فريق في جزء يعتقد أنه هو الصورة بشكلها التام، وتأمل في جلالة المنهج الحواري الذي وضعه الخطاب القرآني لرسولنا الكريم {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}، حيث لم يفترض المحاور هنا- رغم الموضوعية الكاملة لتوجهه- صوابية فكره، وتهافت النهج الفكري للآخر، بل على أساس فكرة مطروحة تتساوى فيها فرص احتمال الخطأ والصواب، ما يؤهل لإمكانية قيادة الحوار بأعلى درجة ممكنة من الموضوعية التي تتوخى الحقيقة من منطلق حيادي يتحرك بواقعية بلغت في الإنصاف منتهاه. إن ثمة مشتركا كلي عام تنطلق منه حوارات الأديان من أهم بنوده ما يلي:

أولا: التوحيد ضد الإلحاد والشرك، فالمبدأ التوحيدي هو العنوان العريض للكلمة السواء بين الأديان السماوية {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}، وكلمة السواء تتموضع في مفردات كثيرة، أدناها مشاكل الفقر والإرهاب والمخدرات والأمراض الوبائية والاحتباس الحراري وثقب الأوزون وغيرها كثير. هذا الحوار لكي يكون إيجابيا لابد أن يبدأ بالمسائل المتفق عليها، وأن يقيم الحجة في المسائل المختلف عليها ولا يهمشها، وأن يبدأ بتقرير الأصول قبل الفروع، وأن يرد الجزئيات إلى الكليات، وأن يكون هذا الحوار بالتي هي أحسن، فلا يتضمن قالبا استفزازيا، ولا شكلا استعلائيا، سواء في محتوى الخطاب أوفي آلية أدائه.

إن المنطق التوحيدي هو المنطق الذي يتحتم استدعاؤه كحاكم أولي لحراك الأديان في مواجهة المادية الوالغة في المستنقع الإلحادي والتي يجري انبعاثها وفقا لإملاءات الغريزة البهيمية بعيدا عن العقل الصريح.

ثانياً: إقامة العدل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) فلا يسوغ بحال من الأحوال أن يظلم إنسان مّا بسبب اختلاف لونه الديني، أو أن تعاني أقلية ما بسبب انتمائها المذهبي؛ التعدد في المدارس الفكرية قديم قدم التاريخ الإسلامي، وهذا ما يجب أن يؤكد عليه هذا المؤتمر الذي يجب أن يكون له انعطافة جديدة، وأن يتمخض عن نتائج ملموسة وتوصيات حيوية من أهمها إدانة ما يجري من مذابح تحت عناوين مذهبية وطائفية. إن إقامة العدل تعتبر الغاية الكبرى من إرسال الرسل وإنزال الرسالات السماوية {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، ومن هذا المنطلق فتحقيق العدالة الإنسانية هدف مشترك، وبديهة دينية عامة ومشتركة بين الأديان، ولذلك فمن الضروري تسليط الحوار، وإدارة دفته، ليتمحور حول تجليات الظلم في الواقع، عبر عناوين الاحتلال والإرهاب والإجرام في متباين ضروبه والعمل على خلق توافق إنساني عام إزاء هذه التجليات.



Abdalla_2015@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد