Al Jazirah NewsPaper Wednesday  11/06/2008 G Issue 13040
الاربعاء 07 جمادىالآخرة 1429   العدد  13040
دفق قلم
رأي العين
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

البشر يتأثرون دائماً بما يشاهدون ويسمعون أكثر من تأثرهم بما يغيب عنهم من الأشخاص والمواقف والأحداث، ولذلك فإن استشعار كثير من الناس لما سيحصل لهم بعد الموت يبقى ضعيفاً مهما كانت قوة تصويره وبيانه فيما أنزل الله سبحانه وتعالى من كتابه الكريم، وفيما ورد من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.

يتخبط البشر في حياتهم الدنيا، ويخوضون فيها، ويضعون لها من النظم والقوانين ما يحقق لهم المتعة العاجلة فيها، ويشرِّعون من أنظمة الثواب والعقاب ما يظنون أنه الأسلوب الأمثل في تنظيم حياتهم ومعاشهم، ويتجاوزون في ذلك حدود ما شرع الله لعباده، وما سنَّ لخلقه، معتقدين أنهم أدرى بمصلحتهم، وأقدر على تحديد معالم ما يصلح لهم وما لا يصلح، متناسين ما وضع الله من تشريعات وتعاليم لعمارة الأرض، ولتحقيق العدل فيها، وتحقيق الرسالة التي خلق الله سبحانه وتعالى البشر من أجلها ألا وهي عبادته دون سواه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

ودليلنا على أن الإنسان يحسب حساب ما يعايشه ويراه ويسمعه أكثر من حسابه لما يُوعد به، ويوصفُ له من النعيم والعذاب، ومن الثواب والعقاب، ما نراه من خوف هؤلاء البشر من تجاوز الأنظمة البشرية خوفاً من الوقوع تحت طائلة العقاب الدنيوي العاجل، وما نراه من حرصهم على الأداء الجيِّد طمعاً في الحصول على الثواب العاجل الذي تراه أعينهم، وتلمسه أيديهم، وما نعلمه من إقدام كثير من الناس على ما حرَّمه الله شرعاً غافلين عن عقاب الآخرة، وذلك حينما يطمئنون إلى عدم وقوعهم في أيدي منفِّذي الأنظمة البشرية في الدنيا فكم من إنسان يهوِّن على نفسه أخذ (الرشوة) متفادياً ما يوقعه في قبضة الأنظمة البشرية الرادعة لمرتكبي هذه الجريمة، سعيداً بما يجده من الفوائد المادية من هذا الطريق مفتخراً بقدرته على التغلُّب من مراقبة الأنظمة البشرية، متناسياً - في ذلك كله - الوعيد الشديد الذي توعَّد به الله عز وجل من يقعون في مثل هذا الإثم العظيم.

لماذا يحدث هذا؟

لأن الإنسان يرى ويسمع أثر العقاب البشري العاجل من سجن وتشهير وغرامات مالية وفصل من العمل وغيرها، فهو يخافها ويتحاشاها ويحرص على عدم الوقوع فيها، أما عقاب الآخرة وهو أشدُّ وأبقى فهو غائب عن ذهنه الآن، لا يراه ولا يسمعه.

ولأن الإنسان - أيضاً - يرى ويسمع أثر النعيم الدنيوي العاجل فيسعى إليه لتحقيق المتعة العاجلة من مالٍ، وسكنٍ، وسيارة ومظهر جميل برَّاق وغير ذلك، فيقبل على ما يحقق له هذا النعيم ولو كان من طرق غير مشروعة، متناسياً ما سيفقده من نعيم الجنة التي أعدها الله لمن يتقي ويخاف منه وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، هنا يأتي دور الإنسان في أن يكون على بصيرة من أمره وأن يعلم أنَّ الله يرى ويسمع، وأن الدنيا رحلة عابرة ونعيم زائل.

إشارة:

الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد