Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/06/2008 G Issue 13043
السبت 10 جمادىالآخرة 1429   العدد  13043
يارا
عبد الله بن بخيت

من أصعب الأمور البحث في شؤون العقل إذا كان الوسط الذي تتحرك فيه زلقا مليئا بميوعة العاطفة. تتحول مرافعاتك إلى موقف شخصي ويتحول دفاعك إلى اعتذار. في مقالي عن قاسم أمين لم أسع إلى تحسين سمعة قاسم أمين. قاسم أمين مات منذ أكثر من مئة سنة وأفكاره التي وضعته في تاريخ المنطقة الثقافي تحولت من أفكار ثورية تنويرية إلى أفكار محافظة, فهؤلاء الذين تربوا على شتيمته تحولوا دون علم منهم إلى مناصري أفكاره؛ يشتمونه شخصيا ويدافعون عن أفكاره باستماتة. العراك السياسي التركي يشهد على ذلك. الذين ينتصرون لحركة الحجاب في تركيا هم في الواقع ينتصرون لأفكار وأطروحات قاسم أمين. طالب قاسم أمين بالسفور وهو كشف وجه المرأة وليس خلع الحجاب الإسلامي. طالب قاسم أمين بخروج المرأة والاستقلال وهذا بالضبط ما يطالب به مؤيدو المرأة المحجبة في تركيا. أن يحق للمرأة المحجبة الدراسة في الجامعة (اختلاط) والذهاب للعمل (اختلاط) على عكس ما يريده العلمانيون من المرأة المحجبة. أن تقر في بيتها: مملكتها.. أليس كذلك؟! أفكار قاسم أمين هي البرامج التي تسوقها الآن المنظمات والأحزاب السياسية الإسلامية. تحول قاسم أمين من داعية للفجور والسفور والتغريب إلى ملهم ومنظر. لم يبق في منطقة الفجور سوى اسمه. الذي لا يتفق معي حول هذا الأمر عليه أن يقرأ ما قاله قاسم أمين لا ما يقال عن قاسم أمين ثم يقارن بين أطروحاته وبين أطروحات الأحزاب السياسية الدينية.

لا أريد هنا أن أدافع عن قاسم أمين. ليس لأنه لا يستحق من يدافع عنه ولكن لأنه مات جسدا وتحولت أفكاره من اليسار إلى اليمين. التصارع حوله ضرب من البلاهة الفكرية. ذكرته كنموذج لذهنية الاجترار والتكرار والجمود. عندما تتحاور مع رجل إنجليزي حول هتلر لا تسمع منه سباباً أو شتائم. تحول هتلر إلى مجرد تاريخ. دمر هذا الزعيم الألماني بريطانيا وتسبب في مقتل آلاف البشر ودفع بأوروبا إلى فقر الشحاذين ومع ذلك نسي الإنجليز عداءهم لهتلر وألمانيا. ليس لأنهم اكتشفوا أن هتلر كان حبيبهم ولكن لأنه مات وطوى التاريخ صفحاته ومسح من القلوب الجديدة. لا يجدون أي سبب للانشغال بالموتى. لا توفر دراساتهم وعلومهم وجامعاتهم دعاة يتعهدون الاحتفاظ بالجثث وتسليمها من جيل إلى الجيل الذي يليه. لا كربلاء في ثقافتهم يبكونها صباح مساء ولا قديسين. من مات تركوه لموته.

قاسم أمين نموذج لآلاف من العلماء الدعاة والزعماء, طيبهم وبطالهم. مات بعضهم قبل أكثر من ألف وسنة ولكنه مازال يعيش معنا كواحد منا. من أطرف الحوارات التي خضتها مع شاب متحمس. اكتشفت أن هذا الشاب الصغير كان يعتقد أن ابن تيمية واحد من المشايخ السعوديين المعاصرين.

حجم الاجترار هائل لا يسمح بتمايز العصور والافتراق التاريخي وتحول الأفكار. هذا ما أردت قوله في حديثي عن قاسم أمين.

فاكس: 4702164


Yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد