Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/06/2008 G Issue 13043
السبت 10 جمادىالآخرة 1429   العدد  13043
ميزان مقترح للتنمية..
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني

المملكة العربية السعودية بلد مترامي الأطراف يشمل تنوعاً جغرافياً وديموغرافياً وبيئياً مختلفاً كل الاختلاف، وهذا التباين بين مناطق المملكة جعل من هذه المناطق مناطق تبادلية؛ فالحرف والصناعات تختلف من منطقة إلى أخرى وكذلك الزراعة والمياه والثروات المختلفة.

إن هذا التباين هو في صالح هذه البلاد التي حباها الله بثروات هائلة من الذهب الأسود الذي هو شريان التنمية الأول.. وهذه الصحاري الممتدة والمدن الساحلية التي تحوي موانئ على بحرين مختلفين، وهذه المطارات الداخلية التي تنتشر عبر ساحات البلاد طولاً وعرضاً وهذه الطرق السريعة التي تربط شمال البلاد بجنوبها وشرقها مع غربها مثلت أهم عناصر البنية التحتية اللازمة للتنمية. وقد خطت البلاد خطوات موفقة نحو التنمية وها هي تسير بخطى موفقة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أكد خلال جولاته المختلفة لمناطق المملكة شمالاً وجنوباً أن ليس هناك تفرقة بين منطقة وأخرى واعترف صراحة بوجود قصور في التنمية في بعض المناطق والذي فرضته ظروف مختلفة. الملاحظ أن التنمية تعتمد على الكثافة السكانية فأينما وجدت الكثافة السكانية وجدت التنمية ولعل هذا يعود إلى نجاح الاستثمارات مع وجود كثافة سكانية، وقد تركزت التنمية المتكاملة على محور وسط المملكة الممتد من الشرق إلى الغرب (من البحر إلى البحر) أي من الدمام مروراً بالرياض وصولاً إلى جدة ولا شك أن هذا المحور يشمل المدن الرئيسة الثلاث في المملكة. (جدة، الرياض، الدمام) وهو محور وسط المملكة يصبح لديه قناعة أنه لا بد من وجود خطوط نمو أخرى وذلك لعدة أسباب منها:

أ - التكدس السكاني في هذه المدن الثلاث سيصبح عبئاً على الناتج المحلي وخللاً في التوازن الاقتصادي للبلاد بسبب أن الزحام المروري وتكدس الخدمات سيصبح عنصراً طارداً للاستثمار.

ب - وجود مقومات رئيسة للنمو السكاني في مناطق أخرى من المملكة (مناطق التعدين، الزراعة، السياحة، الرعي) وهي نشاطات أساسية ومقومات أولية للنمو الاقتصادي المتوازن والمدروس بدلاً من الاتجاه إلى خط تنمية واحد فقط وهو الحاصل حالياً في محور وسط المملكة (عقاري، صناعي فقط).. إن وجود بنية تحتية في مناطق زراعية أو تعدينية أو سياحية سيخلق بلا شك فرصاً أخرى لنمو الناتج المحلي وتطور اقتصاد البلاد ككل.

ج - إن شبكة الخطوط الحديدية العملاقة التي بدأت وزارة المالية ووزارة النقل في تنفيذها مؤخراً هي الحل الأمثل والمفتاح السحري الذي سيوجد نوعاً من التوازن بين مناطق المملكة المتنوعة الإمكانات (سياحة، زراعة، تعدين..) وذلك لأن شبكة القطارات تعتبر شرياناً رئيساً مهماً إلى جانب الطرق السريعة لنقل البضائع والركاب وبالتالي تشجيع النمو في محاور مختلفة.. وتنتج عن ذلك أن هذا المحور استوعب 65% من سكان المملكة (مدن الرياض، مكة وجدة، الدمام) وهذا التركّز مرشح للزيادة ما لم تكن هناك خطط لإيجاد محاور موازية لهذا المحور سواء من الشرق للغرب أو من الشمال للجنوب أي أن الهجرة ستزداد إلى المدن الرئيسة وبالتالي تركز الكثافة السكانية بها مما ينتج عن ذلك زيادة في عدد السكان بهذه المدن وزيادة الزحام المروري وزيادة أعباء الخدمات، وكذلك التلوث.

إن (التنمية المتوازنة) = خططا مدروسة ووضع خطط تنموية مدروسة سوف يعود حتماً بالفائدة على الناتج الاقتصادي المحلي للبلاد وخطة التنمية المدروسة حتماً تعني دراسة مختلف المجالات (بيئية، تجارية، زراعية، تعليمية.. الخ).

ولكن أيهما أولاً هل هو التنمية أم النمو السكاني والعمراني؟ أي أيهما أولاً الدجاجة أو البيضة؟ وفي رأيي أن العنصرين هما متبادلان فأينما وجدت تنمية عمرانية وبنية تحتية وجد النمو السكاني وأينما وجد نمو سكاني وجدت تنمية عمرانية أي حسب المعادلة التبادلية الآتية:

(تنمية عمرانية وبنية تحتية = نمو سكاني وحضري) ولكن التخطيط السليم والمدروس هو أن تكون التنمية العمرانية والبنية التحتية أولاً. ولعل الاتجاه الأخير خلال زيارات خادم الحرمين الشريفين لإعلان عن مشاريع الجامعات، المدن الاقتصادية، المشاريع الإسكانية، المطارات هي خطوة في أن تكون التنمية بخطى مدروسة والذي لاحظ التكدس العمراني والسكاني والمروري للمحور المذكور يصبح لديه قناعة تامة بضرورة وجود خطوط نمو أخرى، والملاحظ هو عدم وجود مبرر اقتصادي لهذا التكدس على هذا الخط بالذات، أعني بذلك عدم وجود موارد مياه مثلاً أو موارد زراعية أو سياحية أو غير ذلك.. وقد يعود السبب لنشوء مدن صناعية كالجبيل وينبع ووجود الوزارات والشركات الكبرى وهذه يمكن وجودها بالتخطيط البشري لمناطق أخرى أي أنها ليست من طبيعة المنطقة، فلو نظرنا مثلاً إلى خط النمو المزدحم على نهر النيل في جمهورية مصر العربية لعرفت أن السبب في ذلك هو وجود نهر النيل الذي هو شريان الحياة الزراعية والاقتصادية ولكن لا يوجد ذلك في هذا الخط، الجدول التالي يوضح نسبة السكان في كل منطقة من مناطق المملكة على العدد الإجمالي للسكان وهذه النسبة تبين ضرورة إيجاد توازن نوعي بين السكان في مناطق المملكة، وموضحة أيضاً برسم بياني. إن التوزيع السكاني في هذه المناطق يبين ضرورة وجود سياسات عمرانية واقتصادية وتجارية وزراعية لجذب النمو السكاني من المناطق الأكثر ازدحاماً إلى المناطق الأقل ازدحاماً، أو على أقل تقدير إيقاف الهجرة إلى المدن الرئيسة وإبقائها على نموها الحالي أي إيقاف نسبة النمو السكاني عن حيّ معين في المدن الرئيسة الثلاث (جدة، الرياض، الدمام) وخلق فرص ومناطق اقتصادية واستثمارية في المناطق الأخرى حسب تنوعها الاقتصادي وموقعها التجاري (نمو زراعي، نمو تعليمي، نمو تعديني، نمو سياحي.. الخ).

وأعتقد أن خير من يتولى هذا الدور هو (إمارات المناطق) نفسها من خلال تفعيل الدور التنموي لإمارات المناطق في ظل عدم وجود دور تنموي فاعل أو مدروس للجهات التنفيذية.

ولاشك أن خير من يتولى الدور التنموي للمنطقة هو إمارة المنطقة نفسها في ظل عدم وجود رابط بين الجهات التنفيذية المختلفة، وأقترح أن يكون ذلك من خلال الآلية الآتية:

أ - أن تقوم (إمارة كل منطقة) بتشكيل فريق متكامل من الجهات التنفيذية (وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة الزراعة، وزارة النقل، وزارة الصحة، وزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم العالي إلخ) ويقوم هذا الفريق بمشاركة وزارة التخطيط التي سيكون لها دور أساسي من خلال الخطط التنموية والإحصاءات السكانية التي تم وضعها بدراسة ما يلي:

1 - فرص النمو السكاني والعمراني المستقبلي للمنطقة من خلال التوجهات الحالية للمنطقة وزيادة النمو السكاني لها واستطلاع آراء المستثمرين وسكان المنطقة أنفسهم.

2 - دراسة الوضع الحالي للمنطقة وحاجتها من مشاريع البنية التحتية (طرق، سكك حديد، مستشفيات، مدارس، كليات للتعليم العالي، تنمية عمرانية، تشجيع للنمو الزراعي، توسعة للمطارات..).

وتقدير ميزانيات وتكاليف مشاريع البنية التحتية الأساسية الحالية لكل منطقة على حدة.

ب - تقوم إمارة المنطقة من خلال هذا الفريق برفع ما تم دراسته وتحديده في (أ)، إلى (هيئة تنمية عليا) يكون مقرها في وزارة التخطيط أو وزارة المالية لتقدير التكاليف التي تحتاجها كل منطقة وتوزيع تكاليف إنشاء هذه المشاريع على عدد من السنوات بحيث يتم تغطية مشاريع التنمية التحتية في كل مناطق المملكة من خلال الميزانيات السنوية تغطية كاملة فالميزانية الحكومية هي الأساس ولا قيام لأي مشاريع استثمارية بدونها.

ج - قيام كل من الهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة بدراسة الفرص الاستثمارية والسياحية في كل منطقة واتخاذ خطوات تشجيعية جادة للمستثمرين في هذه المناطق مثل منح الأرض مجاناً للمستثمر وإخراج تراخيص الاستثمار بزمن قياسي سريع.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد