Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/06/2008 G Issue 13043
السبت 10 جمادىالآخرة 1429   العدد  13043
الشيخ القرني و الجغرافيا
أ.د. محمد شوقي بن إبراهيم مكي*

قرأت مقالاً لفضيلة الشيخ عائض القرني (العمل أو الموت) في إحدى الصحف السعودية.

ولا شك أن مقال الشيخ القرني مفيد في شحذ همم الشباب ودفعهم للعمل الجاد والمتقن الذي يقود بلادهم إلى التقدم والازدهار. ولكن لي مأخذ على الشيخ الكريم في إشارته إلى الإقلال من شأن بعض العلوم مثل الجغرافيا والأدب. إن مثل هذه الإشارة من شيخ جليل له قدره واحترامه من قبل الخاصة والعامة لا شك لها تأثيرها في معاني الكلمات والمفاهيم، والكلمة تؤدي إلى موقف قد يكون إيجابياً وقد يكون سلبياً. ولا أحسب صيغة هذه الإشارة تؤدي إلا إلى مواقف سلبية نحو الجغرافيا. فمن قال إن الجغرافيا هي حفظ لأسماء العواصم. إن نشر مثل هذه المقولة قد تؤدي إلى المغالطة في أهمية علم عرف منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى أن مفاهيم هذا العلم ونظرياته قد تطورت كثيراًُ خلال القرون. فعلم الجغرافيا يعد علماً متميزاً وفريداً في مجالات بحثه وطرق إجراء دراساته وذلك بسبب التساؤلات التي يطرحها في القضايا والمشكلات الجغرافية، وبخاصة تلك التي تركز على الجوانب البيئية بمختلف عناصرها والتفسير المكاني لها. ولما كانت المشكلات البيئية هي أساساً جغرافية في طبيعتها فإن الجغرافيا يمكن أن تكون علماً تدريبياً وتطبيقياً لما يمكن أن تقدمه من حلول لتلك المشكلات مستخدمة العديد من النماذج والنظريات، وتوضح كيف يمكن للمؤثرات الطبيعية أن تتغير نتيجة للعلاقات الإنسانية والمؤثرات الاجتماعية.

إن الإشارة إلى اعتماد الغرب وألمانيا، بشكل خاص، على العلوم العملية والتطبيقية في نهضتهما غير دقيقة، فقد تطورت جميع العلوم الطبيعية والإنسانية فيهما بما في ذلك الجغرافيا. لقد أخرجت لنا ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها العديد من العلماء البارزين والعديد من النظريات الجغرافية التي لا تزال تطبق حتى وقتنا الحاضر. ثم ألا تعتقد يا شيخنا أن الاهتمام بالعلوم غير الطبيعية أساسي جداً لبناء شخصية الإنسان وفكره وعقيدته وضبط سلوكياته. لقد أدى الاهتمام المفرط لبعض المجموعات بالعلوم الطبيعية إلى الانجراف في الحياة المادية والانغماس في الشهوات، بل والإلحاد أحياناً والعياذ بالله.

إن بلادنا مقبلة على بناء استراتيجيات مستقبلية طموحة تعتمد البناء المعرفي المتميز الذي يمكن أن يحتل مكانة عالمية مرموقة في كل جوانب المعرفة في منظومة متكاملة. ولهذا فإن الرفع من شأن علم والحط من قدر علم آخر لا يساعد في بناء هذه الاستراتيجية، بل يخلق بعض الحساسيات بين المتخصصين في العلوم المتعددة. إننا في حاجة ماسة لمساهمة واستثمار فكر كل فرد وكل طالب علم وكل عالم في دفع عجلة التنمية والتطور والعمل الجاد لتحقيق الرؤى والرسائل التي تقود إلى الإبداع والتميز. ولا أخال شيخنا ينفي مساهمة الكثير من الجغرافيين في نهضة بلادنا، فقد برز منهم الوزراء ومديري الجامعات والعمداء والمعلمين الذين لا شك أنهم قد أسهموا في تنمية بلادنا ولا زلنا نتوقع منهم الكثير والكثير.

أخيراً نسأل الله العلي القدير أن ينفعنا بما علمنا، إنه هو السميع العليم. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

* رئيس مجلس إدارة الجمعية الجغرافية السعودية - جامعة الملك سعود


makki16@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد