Al Jazirah NewsPaper Monday  16/06/2008 G Issue 13045
الأثنين 12 جمادىالآخرة 1429   العدد  13045
الجمعية السعودية لعلوم العقار تفتح عبر (الجزيرة) ملفات القطاع الساخنة.. (2-2)
تعدد الأدوار سيصيب الرياض ب (كلسترول المدن).. والرهن العقاري في صالح البائعين لا المؤجرين

إعداد - بندر الأيداء

معاناة القطاع العقاري، وسوء تنظيمه، ودخلائه ونقص الكوادر المؤهلة، والجمعية السعودية لعلوم العقار كانت على طاولة نقاش ضيوف (الجزيرة) في الحلقة السابقة، وفي حلقة اليوم يواصل الضيوف (الدكتور خالد بن سكيت رئيس الجمعية السعودية لعلوم العقار، والدكتوران أحمد باكرمان وأحمد المحيميد عضوا الجمعية) نقاشهم حول غياب المرجعية المعتبرة للقطاع العقاري، مطالبين باتخاذ قرارات استراتيجية للرقي بمستوى القطاع بشكل سريع، كما يعرجون في حديثهم على ارتفاع أسعار الاراضي غير المبرر الذي أصبح عائقاً لامتلاك المواطن مسكناً خاصا به فقيمة الأرض تشكل أكثر من 50% من تكلفته، وقال الضيوف: إن المضاربات العشوائية وراء ارتفاع الأراضي منوهين بأن نظام الرهن العقاري ليس هو الحل الجذري لمشكلة الإسكان مطالبين القطاع الخاص بدور وطني، من خلال المساهمة الفاعلة في مساعدة الناس لإيجاد المصدر التمويلي لامتلاك المنزل، كما تحدثوا عن بعض الأخطاء في طريقة البناء المتبعة في المملكة التي وصفوها بالمبالغة في استخدام مواد البناء، باعتبار ان نسبة الزيادة في المواد الانشائية تتجاوز الـ30% في معظم الحالات، كذلك تطرقوا إلى التوسع العمراني وطرقه مقللين من إمكانية جذب وزيادة الاستثمارات المحلية الأجنبية في القطاع العقاري.

الرهن العقاري

قلل الدكتورأحمد باكرمان عضو جمعية علوم العقار من أثر نظام الرهن العقاري في حل مشكلة الإسكان في المملكة وقال: إقرار النظام ليس هو الحل السحري لمعضلة الإسكان بل هو حل مباشر لمشكلة من أراد أن يبيع ولم يجد الزبون أو يريد زيادة مستوى ضمان السداد، وبالنظر للإحصائيات فإن في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 90% من المساكن معروض للإيجار و10% للبيع بينما النسبة معكوسة في المملكة حيث تشكل نسبة بيع العقار أكثر من 90% مقابل نسبة التأجير في التعاملات التي لا تتجاوز 10%، كما لن يكون لنظام الرهن العقاري أبعاد تصب في صالح من يريد التأجير علما ان قرار التأجير يعتبر القرار الاستثماري الأفضل بجميع المقاييس للمستثمرين مقارنة بخيار البيع.

الحفاظ على الملكية العقارية

وحول معدلات المخاطرة في العقار وكيفية تقليصها تحدث الدكتور خالد بن سكيت عن وجود التنظيمات والقوانين وزيادة مستوى الوعي العقاري لدى المتعاملين من شأنه تقليص نسبة المخاطرة، وتعزيز مستوى الحفاظ على الملكيات، مشيراً إلى أن وجود البيئة العقارية السليمة في كثير من دول العالم جعلت القيمة المادية للمنازل في ارتفاع ثابت على مدى عشرات السنين، بحيث لا تنتهك تلك القيمة، وهذا يعود لسلامة الأسس التي بنيت عليها تلك التعاملات وشفافيتها، وأن غياب الضوابط والتنظيمات قد يسبب خللا في بعض أسعار الملكيات العقارية مع مرور الوقت إلى مستويات غير مناسبة.

أخلاقيات المهنة

كما تحدث ابن سكيت عن المعاملات العقارية بقوله: يعاني سوق العقار من بعض المسوقين غير المؤهلين، فقد تجد وسيطا يقوم بعرض منزل للبيع وهو لا يعلم عن مواصفاته شيئا كالعزل الحراري أو مستوى جودة السباكة، أوالتمديدات الكهربائية، أومواد البناء المستخدمة، أونوعية الخدمات المحيطة به، سواءً القائمة أو المتوقعة حسب نظام تخطيط الأراضي للمنطقة المعنية. جميع هذه المعلومات يجب أن تتوفر للمشتري بشكل شفاف ليتمكن من اتخاذ قراره بشكل سليم، مضيفاً: كما أننا لو نظرنا للوضع الحالي لمسألة التثمين وأهميته كأحد أذرع العلم العقاري الذي ينتج عن الخطأ فيه مشاكل كبيرة خصوصا في قضايا الميراث حيث يقوم من لا يعلم قيمة المنزل الحقيقية بالاستناد على مجرد خبرة غير مقننة بتثمين المنزل وتحديد قيمته دون الاعتماد على معلومات الملكية العقارية الإنشائية والتخطيطية ومواصفاته وتكلفته الحقيقية وأفضل استخدام لذلك الموقع، وهنا يجب أن تسند مهمة التثمين العقاري إلى الكفايات المؤهلة للقيام بذلك، كما ينبغي أن تمارس نشاطات العقار وتخصصاته وفق تخويل رسمي وضوابط محددة على غرار جميع المهن الأخرى مثل المحاسبة وغيرها.

وشدد ابن سكيت على وجوب اتصاف المتعاملين في القطاع العقاري بأخلاق المهنة، من خلال وضع ضوابط لذلك، حيث أصبح الكثيرون يمارسون الوساطة والتسويق العقاري بتحايل وتلاعب لمصالحهم الخاصة، وتلف تعاملاتهم الضبابية وعدم الوضوح، حتى إنك قد تجد بعض أصحاب المكاتب العقارية يستغلون جهل الناس بأسعار منازلهم الحقيقية ويقومون بشرائها عوضا عن التسويق لها. وبالنظر للتجربة الكندية في هذا المجال فالنظام لا يسمح لصاحب المكتب أو المسوق بشراء العقار الذي يعمل وسيطاً لبيعه ما لم يعلن ذلك صراحة وبشفافية للبائع وفق ضوابط محددة، فلا تتعدى مهمته التسويق له والبحث عن الزبون بالسعر المناسب تجنبا من استغلال جهل العميل أو كبر سنه لمصالح خاصة، والأجدر بنا أن نتحلى نحن المسلمين بالأمانة والشفافية في تعاملاتنا وننميها وأن نسعى لإتمام تعاملاتنا بالشكل السليم بعيدا عن محاولات الغش والتدليس والاستغلال.

وكذلك أكد الدكتور باكرمان في حديثه قائلا: ستكون زيادة الوعي العقاري أحد دوافع الأسماء المعروفة في هذا المجال للاطمئنان على مستقبل استثماراتهم، وأنه آن الأوان لتصحيح الأوضاع وحماية القطاع من الدخلاء ورفع مستوى كفاية القطاع والمساهمة في تنظيمه بالشكل السليم، مشيرا إلى أن المستثمرين أنفسهم تفاعلوا مع الجمعية حيث تضمن مجلس الجمعية عددا من المستثمرين الذين ينشدون الرقي الأكاديمي في القطاع ويتوقون لضمان جودة تعاملاته.

تكلفة البناء

من جهته قال الدكتورأحمد المحيميد في مداخلته: هناك مبالغة كبيرة في طريقة البناء المتبعة في المملكة، من حيث كمية مواد الإنشاء المستخدمة في بناء المنازل حيث إن أكثر من 30% من كميات الاسمنت والحديد في البنايات لا حاجة لها، وهناك العديد من الأسباب التي دفعت المواطنين لاتباع هذا النهج العمراني، الناتجة عن ضعف الوعي والإلمام العقاري، فقد دفع التخبط وغياب الوعي الكثيرين لتكبد المزيد من الخسائر والتكاليف في اتباعهم للطريقة (الأسهل والأكثر أمانا) بحسب اعتقادهم، بمضاعفة كمية مواد البناء الأمر الذي انتهى بنا لمنازل تعد الأقوى في العالم من حيث البناء بالرغم أن الظروف البيئية لا تحتم علينا ذلك، فلا توجد زلازل ولا براكين كما هو الحال في بعض دول العالم لأن الكثيرين يعتقدون أن زيادة الحديد والاسمنت تزيد من مستوى الأمان المستقبلي، بينما الحقيقة أن الأمان يستند لنوعية الحديد والاسمنت وجودتهما، وقد أدى غياب شركات التطوير العقاري التي تستخدم التقنيات الحديثة والعالية إلى تخبط الناس واجتهاداتهم الفردية التي انعكست على تكلفة البناء بالشكل الحالي.

فيما قال الدكتور باكرمان: إن سوء التصميم في البناء السعودي أسهم في تفاقم التكاليف بهذا الشكل، فالدراسات الحديثة تشير إلى أن أكثر من 30% من المنزل السعودي غير مستغل ولا يستخدم إلا لأوقات قصيرة جدا خلال أيام السنة، بالإضافه إلى أن ترسبات بعض الأفكار الاجتماعية دفعت الكثيرين إلى تكبد المزيد من الخسائر في مبالغات الديكور والتشطيب، أو الأثاث المنزلي حيث غلبت المظاهر على معظم مقتنيات المجتمع السعودي متجاوزة المطلب العملي لتلك المقتنيات.

في هذا الجانب يلتمس الدكتور ابن سكيت العذر للأفراد في مداخلته بقوله: وجد الكثيرون أنفسهم مجبرين على توسيع منزلهم ووضع الحدائق والملحق داخل المنزل في محاولة لتعويض نقص الحدائق والباحات التي يفترض وجودها في الأحياء ووسط المنازل، وهذا يعود لغياب التنظيم السليم للأحياء السكنية، مشددا على أن غياب الجهات التطويرية التي توفر الأحياء السكنية بجميع مرافقها الخدمية والترفيهية مع وجود الضمانات أدى إلى تزايد الاجتهادات الفردية في محاولة بناء المنزل، بحيث يحتوي على كل ذلك داخل محيط منزله، وتابع: لقد آن الأوان أن ننتقل من الفردية والعشوائية إلى العمل المنظم بالرقي في صناعة العقار، وتوفير التكاليف وضمان الحقوق لجميع الأطراف حيث باتت سلبيات الاجتهادات الفردية تظهر بشكل واضح مع مرور الوقت، ولو نظرنا لمنطقة مشابهة للمملكة من حيث المناخ والتضاريس البيئية مثل ولاية (أريزونا) الأمريكية فبناء المنازل هناك لا يستهلك إلا نسبة قليلة من كميات الحديد والاسمنت التي نستهلكها في بناء المنازل، وهذه المقارنة تظهر لنا تدني مستوى أساسيات ومفاهيم البناء لدينا، كما أشار الدكتور ابن سكيت إلى أن الشركات التطويرية التي يديرها أشخاص أكفاء علميا ومهنيا وتملك الخبرات الطويلة في هذا المجال تستطيع بناء المجمعات السكنية بالشكل الذي يتناسب مع تقاليدنا وثقافتنا وبمستويات عالية من الجودة، مع تقديم الضمانات اللازمة للعميل على المدى الطويل، وبهذا تسهم بدور كبير في تصحيح الكثير من الأوضاع الحالية للإسكان إذا ما توفر التنظيم الجيد.

الحلم.. امتلاك المسكن

وبالنسبة لمعوقات امتلاك المواطن السعودي لمنزله الخاص أوضح الدكتور المحيميد أن ارتفاع أسعار الأراضي غير المبرر هو السبب الرئيس في صعوبة تحقيق هذا الحلم فقيمة الأرض أصبحت تشكل ما يزيد عن 50% من قيمة المسكن دون أسباب منطقية بينما لا تتجاوز قيمة الأرض في معظم دول العالم 30% من تكلفة المسكن، وفي الوقت الراهن أصبح الفرد فعلا في أمس الحاجة لإيجاد مصدر تمويلي لتحقيق حلمه، لذا فالقطاع الخاص عليه مسؤولية كبيرة في دعم المواطنين كي يساعدوا أنفسهم، فلا يجب الاعتماد الكلي على الدور الحكومي الذي عمل الكثير في فترات سابقة، من أهمها توفير القروض السكنية بلا فوائد. من جهته قال ابن سكيت: السبب الرئيس لارتفاع الأراضي هي المضاربات، ولا توجد أسباب منطقية لكل تلك الارتفاعات، كما أن غياب الرقابة وضعف الضوابط دور في تفشي المضاربات في الأراضي السكنية، ولو عدنا للتجربة الكندية في هذا المجال لوجدنا أن النظام يقتص نسبة معينة تذهب للحكومة من قيمة الأرض الصالحة والجاهزة للسكن في كل مرة تباع فيها، وذلك للحد من المضاربات على الأراضي والحفاظ على ثبات أسعارها لتصبح ميسرة للجميع.

التوسع الأفقي والعمودي

وفي سؤال عن التوسع الأفقي أوالعمودي للمدن الرئيسة في المملكة وآثارها أوضح الدكتور باكرمان أن لكل من التمدد الأفقي والعمودي سلبياته وإيجابياته وقال: لو نظرنا إلى الرياض التي تمددت أفقيا لأكثر من 100 كيلو متر، فإن هذا التمدد أوجد العديد من المشاكل رغم ايجابيته في إطلاق العنان للنمو الطبيعي بالمواصلة والتقليل من الكثافة في معظم الأوقات، فالمواصلات العامة صارت تواجه مصيرا مجهولا نتيجة التباعد الكبير في منطقة الرياض، حيث أصبحت فكرة إنشاء شبكة قطارات أو شبكة حافلات غير مجدية اقتصادية، وهذا يعود لتباعد المسافات الذي قلل الكثافة السكانية في معظم أنحاء الرياض، إضافة إلى أن تكلفة توفير الخدمات لجميع أنحاء الرياض أصبحت مكلفة للغاية، وإذا ما قارنا هذين النمطين إجمالا فإن التوسع العمودي أفضل في وجهة نظري من التمدد الأفقي.

أما الدكتور احمد المحيميد فقال في مداخلته: طرحت أمانة الرياض حلا لتقليص أثر التمدد الأفقي للرياض بإنشاء مراكز حضارية تضم فروعا لجميع المرافق الحكومية والخدمية، وتقدمت بطلب الاستشارة من الجمعية، ونحن نعتقد أن الفكرة ناجحة لأن وجود حوالي خمسة مراكز حضارية في أنحاء الرياض من شأنه توفير الجهد ورفع العناء عن طالبي الخدمة الحكومية في مختلف أنحاء العاصمة، وسيصبح من السهل لمن أراد أن يراجع الجوازات - مثلا - أن يتوجه لفرعها في أقرب مركز حضاري الأمر الذي يخفف حدة الاختناقات وسط المدينة. في ذات الإطار تحدث الدكتور ابن سكيت: أعتقد أن المدن الرئيسة في المملكة على مفترق طرق بشأن تحديد طريقة تطورها وتوسعها العمراني، فهي أمام خيارين بوضعها الحالي، إما أن تسير على منهج المدن الكبيرة في الدول المتقدمة، أو أن تسير على نهج المدن الكبيرة في دول العالم الثالث التي تعاني مشاكل كثيرة، والوقت مازال متاحاً لتحديد المسار، وتابع: هناك توجه لدى الأمانة بالسماح بتعدد الأدوار على الشوارع الكبيرة، ورغم أن الفكرة لها بعض الايجابيات، من حيث استيعاب مزيد من السكان إلا انه لدي تحفظ بربط ذلك التعدد بعرض الشوارع، لأن ذلك قد يزيد العبء على تلك الشوارع التي تعتبر شرايين المدينة وهي أساساً تعاني من الضغوط والازدحام، وقد تصاب الرياض بما يسمى (كولسترول المدن) الذي تختنق فيه تلك الطرق الرئيسة وتتوقف الحركة، فيها لذا ينبغي ان تعكس المسألة ويسمح بتعدد الأدوار في المناطق البعيدة عن الشوارع العريضة، وأن يبدأ تطبيق هذا القرار على مناطق معينة وبالتدريج لرصد النتائج والخروج بأفضل الحلول.

الهجرة المعاكسة

وطالب الدكتور المحيميد بتشجيع الهجرة المعاكسة نحو المناطق الناشئة، وخلق الظروف المناسبة لها وقال: إن تركز الجامعات والمستشفيات الكبيرة حصرا في المدن الرئيسة أمر غير صحي وينبغي دعم الهجرة المعاكسة تجاه المناطق الناشئة المجاورة للمدن الكبيرة، من جانبه أوضح باكرمان أن عوامل عديدة ساهمت في تركز السكان في المدن الكبيرة، ويجب النظر فيها حيث أصبح التباين في المستوى التعليمي والصحي وفي الخدمات الحكومية أحد العوامل المساهمة، في ذلك ولكي ندعم الهجرة المعاكسة يجب توفير المستوى العادل في جميع الخدمات وعلى مختلف المناطق ويجب أن نعمل وفق تخطيط إقليمي استراتيجي يوفر نفس مستوى الخدمات في جميع المناطق.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد