Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/06/2008 G Issue 13048
الخميس 15 جمادىالآخرة 1429   العدد  13048

تعقيباً على (بين رسالتين)
على المثقفين تعلُّم أدب الحوار

 

تحية مباركة عطرة.. وبعد:

اطلعت في صحيفة الجزيرة العدد 13035 الصادر يوم الجمعة الثاني من جمادة الآخرة 1429هـ على مقال (بين رسالتين) بقلم الأستاذ سليمان بن محمد العُمري، تحدث فيه عن رسالتين إلكترونيتين وصلتاه في نقد برنامجين، إحدى الرسالتين تناول كاتبها الموضوع بالشتائم والقذف وبذاءة القول، والرسالة الأخرى تناول كاتبها طرحه بأسلوب فيه حكمة، وعرض لرأيه بطريقة مؤدبة مهذبة.

إن الكاتب الأول سيواجه طرحه بالاستنكار والرفض، حتى لو كان مُحقاً؛ لأن الخطأ لا يُعالج بخطأ مثله ولا أكبر منه، وما هكذا تورد الإبل، وفي المقابل الكاتب الاخر سيُحترم رأيه ويؤخذ بالحسبان حتى لو لم يكن مقنعاً؛ لأنه عرض لرأيه بما يجعل الآخر يستمع له.

يذكرني هذا بموقف حصل لأحد الأساتذة في الجامعة فقد تلقى اتصالاً من طالب مجهول يستنكر رسوبه في أحد المقررات، بأسلوب مستهجن، ويبرر صحة موقفه بأنه (غش) من ورقة زميله ونقلها كاملة، وزميله نجح وهو رسب، وسيأخذ حقه بيده.

فأجابه الأستاذ: بأن رسوبك قد يكون لأمور؛ أحدها لا يوجد عندك درجات في الأعمال الفصلية كافية للنجاح، أو أنك غششت من ورقة زميلك بطريقة عكسية تقرأ صحيحاً وتكتب خطأ، وهكذا يُخيب الله -عز وجل- من يحمل الظلم.

وأردف الأستاذ قائلاً له: لو أنك أردت الإفادة من موقفك لحضرت لمكتب الدكتور أستاذ المقرر وقدمت تظلماً لمراجعة جميع الدرجات أو مراجعة ورقة الإجابة، فلعله حصل سهو أو نسيان لرصد درجة، وقد تحصل بذلك على حق ويتحول الرسوب إلى نجاح، ولو لم يكن لك حق لما ظلمت أحداً ولما رميت بوصف لا يليق بطالب علم، أما الأسلوب الذي استخدمته لعلاج رسوبك فهو علاج حكمت على نفسك فيه بأمرين الرسوب وقلة الأدب، ولن تصل به إلى حق لو كان لك حق

اعتذر الطالب عما بدر منه مدعياً أنه ما زال في طور التعليم يتلقى العلم والأدب من أساتذته، ولن يزال.

أقول: إن أسلوب كل كاتب يدل على (شخصيته) ويدل على (معدنه وأصله) ف(الناس معادن) كما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالمعادن منها رديء ومنها نفيس، منها ما يصدر منه رائحة حسنة، ومنها ما يصدر منه رائحة كريهة، وكل إناء بما فيه ينضح.

وبمناسبة الرسائل الإلكترونية أشير إلى أني نشرت منذ مدة قريبة في صحيفة (رسالة الجامعة) الصادرة عن جامعة الملك سعود مقالاً بعنوان (الكتابة فنون أو جنون) ذكرت فيه (الجنون الكتابي) الذي يعتري كثيراً ممن يرتاد الشبكة العالمية، حيث يستعملون طريقة غريبة في الكتابة، لم تعهد سابقاً، وقد يكون استعمال بعضها فيه مجازفة شرعية، كمن يكتب كلمة (الله) بلامات كثيرة، وكلمة (سلام) بألفات كثيرة، وأسماء الله -عز وجل- وصفاته- تبارك تعالى- يجب أن نحترمها لفظاً وكتابة، ونتجنب هذا العبث الكتابي وإن كان غير مقصود فيها.

إضافة إلى استعمال كلمات أخرى على النحو الآتي: (وش احط. وشو العمل. الرابط اللي ما يفتح احطه عالنت. باسم مستعار. عالعمل. بالمسن) إلى غير ذلك من الكتابات التي تدل على تجاهل طريقة الرسم الكتابي المتعارف عليها، وتجاهل لغة العلم والمعرفة، وابتداع طرق لا تمت إلى العلم والثقافة الأصيلة بصلة، بل إن بعضها يقف عائقاً أمام التعبير الفصيح عن الأفكار والمشاعر، وتجعل الشخص يستطيع استعمال الأنامل على الحاسوب لرسم رموز الأصوات، ولا يستطيع التحدث ولو قليلاً في محفل ما.

لعل القارئ الكريم يدرك أبعاد هذه الأخلاق غير المقبولة في الكتابة (خلف الشاشة)، فهي رديفة لأخلاق المرء في الظاهر، والمسلم لا يكون صاحب وجهين, ولا يكون نماما بين الناس ولا مغتابا لهم، ولا مسيئاً الظن بهم.

وينبغي أن يدرك كذلك كل مثقف أدب الحوار وفنونه، ذلك المنهج النبوي التربوي الرفيع، ويعرف كيف يستعمله لنشر الخير، وكيف يسخره لخدمة مجتمعه، وبالأخص ما يكون مكتوباً في الوسائل الإلكترونية؛ إذ إنها لا تُمحى على مر الأيام، ويقرؤها الأجيال تلو الأجيال.

وكما قال الشاعر:

وما من كاتب إلا سيفنى

ويبقي الدهرَ ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء

يسرك في القيامة أن تراه

وفي الختام أشكر صحيفة الجزيرة لإتاحتها الفرصة لي لبث شجوني عن هذا الموضوع الذي يعرض لكل مثقف أو أستاذ أو إعلامي، والشكر موصول لكاتب الموضوع الأستاذ سلمان العُمري -وفقه الله- الذي يتحفنا باستمرار على منبر الجزيرة بمقالاته النقدية القيمة التي يطرحها في الجوانب الاجتماعية وغيرها.

د. محمد بن محمود فجال

جامعة الملك سعود


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد