Al Jazirah NewsPaper Friday  20/06/2008 G Issue 13049
الجمعة 16 جمادىالآخرة 1429   العدد  13049
التهدئة تضع النظام السياسي الفلسطيني على مفترق طرق
إبراهيم أبراش

سواء اليوم أو غداً ستصبح تهدئة سارية المفعول بين حركة وحكومة حماس في قطاع غزة من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ليس المهم تفاصيل التهدئة أو مدة سريانها، وليس المهم كيف يسوق كل طرف لشعبه تفاصيل ومبررات التهدئة بحيث يبدو وكأنه لم يتنازل للخصم ولم ينخرط بالتهدئة من موقف الضعف، بل المهم المغزى والدلالة السياسية بل الإستراتيجية للتهدئة بالنسبة للطرفين، والدروس

المستخلصة منها وكيف يمكن البناء عليها لتكون نقطة منطلق لإعادة جسر الفجوة السياسية والمؤسساتية ما بين شطري الوطن.

لسنوات بل وحتى الأيام الأخيرة كان مجرد الحديث عن تعايش ما بين حركة حماس وإسرائيل هو خوض بالمحرمات، فحماس بالنسبة لإسرائيل حركة إرهابية لا يمكن التعامل أو الحوار معها فبالأحرى التجاور والتعايش معها بهدوء، لسنوات وحتى قبل أيام كانت المقاومة وخصوصاً إطلاق الصواريخ من غزة بالنسبة لحركة حماس ترقى لدرجة القدسية وأي شخص يطالب بوقفها كان يصنف كخائن... أما اليوم ومع التهدئة فكل شيء قابل لإعادة النظر، إعادة نظر باسم العقلانية والواقعية أو إعادة نظر باسم التكتيك والمناورة أو إعادة نظر باسم الظروف الإنسانية ورفع المعاناة سواء عن أهالي غزة بالنسبة لحركة حماس أو سكان سديروت والنقب بالنسبة لإسرائيل، أو إعادة نظر بسبب وصول الخيارات المطلقة لطريق مسدود.

قد يقول قائل هذه هي السياسة، ونحن نقول نعم هذه هي السياسة فالسياسة لا تقبل المطلقات وفي عالم اليوم كل شيء نسبي حتى الدين أصبح اجتهادات وتفسيرات وتأويلات، ولكن صحيح أيضاً أن السياسة علم واستفادة من تجارب سابقة وانتهاز فرص وعدم تفويت فرص، السياسة رؤى ثاقبة واستراتيجيات ومراكمة إنجازات وليس حقل تجارب لكل من هب ودب من أحزاب وقوى سياسية، وعندما يتعلق الأمر بسياسة تخص مستقبل وحقوق شعب تصبح الارتجالية والاجتهادات الخاطئة وعدم الاستفادة من الأخطاء والتجارب السابقة بمثابة الجريمة السياسية بحق الشعب.

فما هي الدروس المستفادة من التهدئة؟ وكيف نهتبل فرصة التهدئة لإعادة بناء النظام السياسي بدلاً من أن توظفها إسرائيل لإطلاق رصاصة الرحمة على المشروع الوطني والحقوق السياسية الفلسطينية؟

الدروس المستخلص من التهدئة تتعلق بالجانبين، فبالنسبة لإسرائيل فالدروس المستفادة هي:

أولاً: أنه لا يمكن لإسرائيل أن تستمر طويلا بالكذب والمناورة بالحديث عن السلام والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والشرعية الدولية فيما هي تحاصر مليون ونصف المليون بقطاع غزة فيما يرقى لدرجة الإبادة الجماعية وجريمة حرب.

ثانياً: بالرغم من التفوق العسكري لإسرائيل إلا أن هذه القوة لا يمكنها أن تنهي ظاهرة إطلاق الصواريخ أو أية عمليات تنطلق من غزة، ليس بسبب العجز العسكري ولكن بسبب الكلفة المادية والأخلاقية للحسم العسكري، وحتى هذا الحسم سيكون مؤقتا وليس نهائياً.

ثالثاً: لا يمكن لإسرائيل أن تقضي على حركة حماس لأن هذه الأخيرة ليست مجرد مجموعات مقاتلة ولكنها حركة سياسية تحصناً بشعبية وحازت على أغلبية الأصوات في مناطق السلطة في انتخابات ديمقراطية ونزيهة.

رابعاً: لا يمكن لإسرائيل (أن تحصل على الزبدة وثمنها معا) كما يقول المثل الفرنسي، بمعنى أنها لا تستطيع أن تستمر بالاستيطان وبإعاقة المفاوضات وقتل فرص السلام وفي نفس الوقت القضاء إرادة شعب يريد أن ينال استقلاله.

خامساً: لكل هذه الحيثيات قررت إسرائيل التوجه نحو تهدئة ليس رغبة منها بالسلام أو أن صحوة ضمير انتابت قياداتها لأنها قررت نهج الطريق الأقل سوءا وهو أن تقبل بهدنة مشروطة على أمل أن تؤدي هذه التهدئة لتعزيز حالة الفصل بين غزة والضفة وأن تعيق التهدئة المصالحة الوطنية الفلسطينية.

أما بالنسبة لحركة حماس الطرف الثاني من التهدئة فالدروس المستخلصة من التهدئة:

أولاً: إن الخطاب والممارسة لحركة معارضة جهادية لا يصلحان بالضرورة عندما تصبح حكومة وسلطة حيث طرحت حماس في عهد الشيخ أحمد ياسين هدنة لمدة خمس عشرة سنة ولكن بعد أن تنسحب إسرائيل من الضفة وغزة وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وتهدئة اليوم مختلفة تماماً.

ثانياً: إن تحمل مسؤولية قيادة شعب وسلطة تفرض الأخذ بعين الاعتبار المعايير والاشتراطات الدولية والإقليمية، وخصوصا أن الشعب الفلسطيني فقير ولا يتوفر على اقتصاد وطني قوي يمكن بمقتضاه الاستغناء عن الدعم الخارجي، بالإضافة للجغرافيا السياسية التي تحد من حرية التصرف مع العالم الخارجي.

ثالثاً: أنه بعد سنة ونصف من صيرورة حماس حكومة لم تستطع أن ترفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في القطاع وكل مؤيديها من عرب ومسلمين عجزوا عن فك الحصار المضروب على غزة.

رابعاً: إن المقاومة الفصائلية لا تخدم المصلحة الوطنية بقدر ما تخدم مصالح من يمارسها، ومحاولة حركة حماس احتكار المقاومة أدى لتفرد إسرائيل بحركة حماس ودفعها للمساومة على المقاومة مقابل أن تحتفظ بالسلطة على 15% من الضفة والقطاع أي 0.7% من أرض فلسطين التاريخية التي تقول حماس إن هدفها تحرير كامل فلسطين.

خامساً: تفرد حركة حماس بقرار استمرار المقاومة أو وقفها سيجلب لها متاعب، فبالإضافة إلى أنه لا يحق لحركة حماس أو غيرها التفرد بقرار المقاومة لأنه حق للشعب وليس لفصيل أو حزب، فإن التهدئة التي تعني وقف المقاومة قد تخلق متاعب لحماس مع الفصائل الأخرى وبالتالي يجب أن تنال التهدئة موافقة أو تغطية رسمية من الرئاسة ومنظمة التحرير الفلسطينية، بمعنى أن تكون التهدئة قرارا وطنيا شاملاً وليس اتفاقا مع حركة حماس لوحدها.

بعد كل ذلك يمكن القول بأن التهدئة ما بين حركة حماس وإسرائيل تضع النظام السياسي الفلسطيني على مفترق طرق، فإما أن تنجح إسرائيل في توظيف التهدئة لتعزيز حالة الفصل ما بين الضفة وغزة وتجعل من التهدئة منطلقاً لفتح قناة اتصال مباشر أو غير مباشر مع حركة حماس بكل ما يخص قطاع غزة بعيداً عن السلطة الوطنية والرئاسة، وإما أن تكون التهدئة منطلقا لإعادة بناء النظام السياسي ووضع حد للفصل ما بين شطري المشروع الوطني، فالتهدئة تتضمن اعترافا واقعياً من حماس بإسرائيل وقبولاً واضحاً بوقف المقاومة، وإسرائيل بالهدنة قبلت بالتعايش ليس مع حكومة وحدة وطنية تشارك فيها حماس بل مع حكومة وسلطة حمساوية خالصة.

ومن جهة أخرى فالتهدئة لن تكون نافذة المفعول إلا بموافقة إقليمية ودولية، وبالتالي فهذه فرصة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، حكومة الكل الوطني والمشروع الوطني، فقد أزالت التهدئة الفيتو الإسرائيلي والأمريكي والدولي على مثل هكذا حكومة.

وأخيراً لا بد من التحذير من غياب السلطة الوطنية برئاسة الرئيس أبو مازن عن التهدئة سواء كانت موقعة أم ضمنية لأن هذا الغياب قد يفسر وكأن قطاع غزة وحركة حماس حالة أو كيان سياسي وحقوقي منفصل عن الضفة ومن حقه التصرف دولياً وخارجياً بعيداً عن السلطة المركزية، ونعتقد أنه كان خطأ أن تجري المفاوضات والحوارات بغياب ممثلين عن السلطة الوطنية، وعليه نتمنى أن تكون السلطة الوطنية جزءا من التهدئة إن لم تكن هي الموقعة عليها وأن تتزامن التهدئة مع نجاح الجوار الوطني إن كانت هناك رغبة حقيقية بعودة توحيد شطري المشروع الوطني.



Ibrahem_ibrach@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد