Al Jazirah NewsPaper Friday  20/06/2008 G Issue 13049
الجمعة 16 جمادىالآخرة 1429   العدد  13049
الحقيقة بشأن مشاركة الناتو في تحمل الأعباء
جاب دي هوب شيفر *

إن العديد من الصحف ما زالت تزعم، حين تناقش مسألة أفغانستان، أن أداء بعض البلدان الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلنطي من أوروبا أقل من المنتظر منها، وأنها إما عاجزة أو غير راغبة في بذل قدر أعظم من الجهد. وبطبيعة الحال ترى هذه البلدان أن جهودها لا تحظى بالقدر اللائق من التقدير. ولكن كيف يتسنى لنا تقدير العبء المناسب والعادل؟

أولاً وقبل كل شيء، لا ينبغي لنا أن نحصر المناقشة بشأن المشاركة في الأعباء في مستويات القوات المتواجدة حالياً في أفغانستان، وذلك لأنه على الرغم من أهمية مستويات هذه القوات، إلا أنها لا تنبئنا إلا عن جانب واحد من جوانب القصة الكاملة. لذا أرجو أن تسمحوا لي بتوسيع نطاق المناقشة وعرض منظور أكثر شمولاً عن طريق تغطية ثلاثة عناصر مترابطة: التحول الدفاعي، والعمليات، والسياق الأوسع لجهود المجتمع الدولي.

يشكل التحول الدفاعي جانباً رئيساً من جوانب المشاركة في تحمل الأعباء. والقاعدة الذهبية داخل الحلف هي أن مجموع قوات حلف شمال الأطلنطي وقدراته تعود ملكيته للبلدان الأفراد -يشكل أسطول طائرات نظام الإنذار والتحكم المحمول جواًAWACS استثناءً نادراً لهذه القاعدة. وبما أنني لا أنتظر من البلدان الأعضاء أن تهجر هذا المبدأ، فلسوف يستمر حلف شمال الأطلنطي في الاعتماد على البلدان الأعضاء كأفراد ومدى استعدادها لتخصيص الموارد.

على النقيض من الرأي الشائع، فإن ذلك النوع من القوات والقدرات التي يحتاج الحلف إليها ليست متوفرة على نطاق واسع على المستويات الوطنية كما قد يتصور المرء. والحقيقة أن القسم الأعظم من القوات المسلحة التابعة لأعضاء الحلف ما زالت أفضل تجهيزاً للعمليات الدفاعية الثابتة، وليس ذلك النمط من العمليات الذي يستلزم تحريك القوات للمشاركة في مهام خارجية بعيدة، كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان. وحين يتوفر النمط المناسب من القوات والقدرات، فإن العمليات التي تقودها الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو التحالفات المؤقتة، فضلاً عن المطالب الوطنية، تفرض متطلبات إضافية على هذه الأصول.

إن تنمية القدرات اللازمة لهذا النمط من المهام تشكل عنصراً رئيساً في عملية التحول التي يمر بها حلف شمال الأطلنطي. ولكن ليس من الممكن بين عشية وضحاها أن نحوِّل القوات الدفاعية الثابتة إلى قوات قادرة على المشاركة في مهام بعيدة، هذا فضلاً عن التنافس الذي لابد وأن ينشأ بين التكاليف اللازمة للتحول وبين تكاليف نشر القوات للعمليات. وهنا يواجه العديد من أعضاء الحلف معضلة الاختيار بين الإنفاق إما على العمليات أو الاستثمار في البرامج اللازمة لاكتساب القدرات الجديدة.

فضلاً عن ذلك فإن إخفاق العديد من أعضاء الحلف في احترام هدف تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي لميزانيات الدفاع يؤدي إلى تفاقم هذه المعضلة، كما يؤدي إلى اتساع الفجوة في القدرات مع الدول الأعضاء التي تستثمر في تأسيس قوات قابلة للاستخدام وقادرة على الانتشار. ولكن رغم غياب أي بديل للميزانيات الدفاعية اللائقة، إلا أننا نستطيع الحصول على المزيد من مستويات الإنفاق الحالية، وبصورة خاصة من خلال تبني توجه أكثر ذكاءً في التعامل مع التجهيزات الدفاعية.

مما يدعو للأسف، وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي، فما زال القطاع الدفاعي في أوروبا يتسم بالتفرق والتشظي، الأمر الذي يؤدي إلى الازدواجية، والمنافسة غير المجدية بين العديد من الأنظمة، فضلاً عن التضارب والفجوات الكبيرة في القدرات. ففي أفغانستان على سبيل المثال، سنجد أن الأنظمة الفردية لتعقب القوات الصديقة، والتي تشكل أهمية حيوية في منع الهجمات غير المقصودة على القوات الحليفة، لا تتمتع بأي قدر من التوافق في مجموعها. وهذا بدوره يفرض تكاليف إضافية من حيث الوقت والمال للاستثمار في اكتساب مثل هذه القدرات.

في أوروبا، لم تعد الميزانيات الدفاعية الوطنية قادرة على دعم قواتها الكاملة وتعزيز صناعة الدفاع الوطنية في نفس الوقت. ولن يتسنى لنا الحصول على قوات قادرة على التعامل مع التحديات الأمنية الحالية إلا من خلال التعاون على مستوى الدول الأعضاء بالكامل وبين ضفتي الأطلنطي.

إنه لمن الأهمية بمكان في مثل هذا التحالف الذي تأسس على مبدأ (الكل من أجل الفرد، والفرد من أجل الكل) أن تسهم كافة البلدان الأعضاء في العمليات على نحو عادل. وعلى هذا فقد ابتكر حلف شمال الأطلنطي آلية المشاركة في تحمل الأعباء بهدف المساعدة في تقييم مدى التزام الدول الأعضاء بتوفير الأعداد المطلوبة من القوات للتعامل مع العمليات الحرجة، نسبة إلى إجمالي دخولها الوطنية.

إن هذا النوع من الحسابات يتسم بالقدرة على إعطاء بعض المؤشرات بشأن المشاركة في تحمل الأعباء، إلا أنه بات من الواضح أيضاً أن مستوى المشاركة في تحمل الأعباء لا يمكن تسجيله بالكامل من خلال الرسوم البيانية وقواعد البيانات. فكيف لنا أن نقرر حجم المساهمة العادلة من جانب دولة يبلغ تعداد سكانها خمسين مليون نسمة مقارنة بدولة لا يتعدى تعداد سكانها الأربعة ملايين نسمة؟ وكيف نستطيع تقييم المساهمة بفرق المشاة الخفيفة في مقابل توفير العناصر المهمة مثل الطائرات المروحية أو طائرات تموين الوقود في الجو؟ وما هو المدى الزمني الذي ينبغي لحساباتنا أن تظل سارية خلاله؟

إن التمويل المشترك، والذي يتحمل بموجبه كل بلد من البلدان الأعضاء نصيبه طبقاً لناتجه المحلي الإجمالي، يشكل أداة يمكن استخدامها لتحقيق قدر أعظم من المشاركة العادلة في تحمل الأعباء. كان حلف شمال الأطلنطي يطبق سياسة (التكاليف تقع على عاتق المستفيد منها). وفي غضون السنوات القليلة الماضية عمل حلف شمال الأطلنطي على تحديث سياسته التمويلية بحيث تسمح باستخدام التمويل المشترك كحافز لتوفير بعض القدرات اللازمة على مستوى مسرح العمليات، مثل المرافق الطبية، وقوات المناولة في المطارات، والإمدادات، أو العمل الاستخباراتي.

إن المشاركة في تحمل الأعباء تشكل قضية حساسة، سواء بالنسبة لحلف شمال الأطلنطي أو المجتمع الدولي، وقد تؤدي حساسية هذه القضية إلى تأجيج المشاعر في بعض الأحيان. ولكن حين نتروى وننظر إلى الصورة الكاملة، فلسوف يتضح لنا أن المسألة لا تقتصر على مجرد الحصول على القدرات المناسبة، بل إن الأمر يشتمل أيضاً على الحصول على المال الضروري والإرادة السياسية اللازمة لتوظيف هذه القدرات.

لا أحد يستطيع أن يزعم أن أي ترتيب أو إجراء واحد قادر على حل مشكلة المشاركة في تحمل الأعباء. بيد أن النطاق الواسع من المبادرات الحالية داخل حلف شمال الأطلنطي لابد وأن يساعد كثيراً: تحويل الجهود نحو زيادة حجم القوات القابلة للاستخدام والانتشار؛ التوسع في استخدام المبادرات التعددية؛ والاعتماد بصورة أكبر على التمويل المشترك للمساعدة في توليد القوة؛ وتبني توجه شامل في تحمل الأعباء على نحو أكثر عدلاً بين مؤسسات المجتمع الدولي بالكامل.

إن حلف شمال الأطلنطي، على النقيض من العديد من (تحالفات الراغبين والقادرين)، يتمتع ببنية سياسية استشارية، وآليات تخطيط راسخة، وهيئة تحكم وسيطرة قادرة، وقدر من الشرعية من شأنه أن يشجع الدول على المشاركة في العمليات التي يضطلع بها الحلف. إن تضامن الحلف ليس مجرد شعار. والحقيقة أن الحس بضرورة الالتزام بالالتزامات والتعهدات من جانب كل عضو تجاه بقية الأعضاء، الذين يتوقف عليهم توفير الأمن له في النهاية، يشكل دافعاً قوياً إلى توظيف نظام عادل للمشاركة في تحمل الأعباء. وقد لا يكون في الإمكان التوصل إلى نظام عادل تماماً في توزيع المشاركة في تحمل الأعباء، ولكن مما لا شك فيه أن منظمة أمنية كحلف شمال الأطلنطي من شأنها أن تسمح لنا بالاقتراب من تحقيق هذه الغاية على نحو يعجز أي توجه آخر عن توفيره.

* جاب دي هوب شيفر أمين عام منظمة حلف شمال الأطلنطي
خاص بالجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد