Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/06/2008 G Issue 13050
السبت 17 جمادىالآخرة 1429   العدد  13050
المزايدات السياسية في الحملات الانتخابية
د. علي بن شويل القرني

هل جون مكين هو باراك اوباما؟ وهل جون مكين هو جورج بوش؟ وهل باراك اوباما هو جورج بوش؟

هذا هو السؤال المحوري الذي تتطلع إليه منطقة الشرق الأوسط في نوفمبر القادم عندما يفصل الناخبون الأمريكيون قرارهم بالتصويت لاختيار .....

.....الرئيس القادم الذي سيقود الولايات المتحدة في الأربع سنوات القادمة.. وقد تقلصت جميع الخيارات الحزبية إلى شخصيتين لا ثالث لهما.. فإما مكين بعقليته المحافظة وإما اوباما بديناميكيته الشبابية هو الذي سيقنع الشعب الأمريكي بجدارة الاختبار والتصويت.

ونحن في منطقة الشرق الأوسط نتابع ونحلل ونتساءل دائما كيف سيكون الرئيس القادم، وما تأثير إدارته السياسية على قضايانا ومشاكلنا في المنطقة.. ودائما تحتل القضية الفلسطينية مكانة متقدمة جداً في أولوياتنا عندما ننظر بشكل خاص في السياسة الشرق أوسطية لرئيس أمريكي جديد.. ولهذا فنحن نقيس مدى قرب أو بعد الرئيس الجديد أو الحالي بمدى تفاعله مع قضايانا..

ولكن داخل المجتمع الأمريكي تكون المعادلات مختلفة، فهناك طرق مألوفة يجب أن يسلكها أي مرشح للرئاسة الأمريكية منذ أكثر من خمسين عاما تقريبا، إذا أراد أن يكتب له النجاح في مسعاه للوصول للبيت الأبيض، ولم يخرج عن هذه المسالك السياسية أي مرشح أمريكي تقريبا.. وهنا نأتي لقوة اللوبي الصهيوني داخل المؤسسات الأمريكية، فقد فرضت هيمنتها على المرشحين السياسيين سواء على مستوى فدرالي أو على مستوى الولايات أو على المستوى المحلي.. وأصبح من واجب الطاعة أن يكشف كل مرشح هويته السياسية نحو إسرائيل، وتكون واضحة ومعلنة أمام الرأي العام وأمام وسائل الإعلام.. وهذا ما حدا أخيرا بباراك أوباما أن يأتي إلى منظمة الايباك ويعلن أبدية القدس كعاصمة لإسرائيل.. ونفس الشيء أعلنه مرشحون سابقون، وبعضهم أعلن رغبته في نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس وغير ذلك من المزايدات السياسية..

والعالم العربي، حكومات ومؤسسات ومواطنين، أصبحوا مدركين لمثل هذه المزايدات السياسية التي تطفح بها الحملات الانتخابية في السياسة الأمريكية كل أربع سنوات تقريبا.. ولم تعد تؤثر كثيرا على العقول والنفسيات العربية، فقد اعتدنا عليها، واعتدنا على الانحياز الكامل نحو إسرائيل من قبل المرشحين الرئاسيين.. فأصبح تأييد ومحاباة إسرائيل هو منطلق نفوذ انتخابي مؤثر على سير الانتخابات الأمريكية..ومن يغرق في خضم هذه الانتخابات يحاول أن يتشبث بأي قشة لعلها تنقذه من السقوط في وحل الهزيمة السياسية..

وزيارة مفاجئة لجون ماكين إلى إسرائيل قبل أشهر كانت مدروسة من قبل مكانة الدعاية الانتخابية لهذا المرشح، فهي تعطي إشارات خضراء لكل من يحب ويؤيد ويخاف إسرائيل فقد أراد أن يعبر عن تأييده وولائه لها.. كما أول زيارة لباراك اوباما بعد إعلان تسيده ترشيحات الحزب الديموقراطي إلى منظمة الايباك واعلانه التصريح الاستفزازي للعرب والمسلمين بكون القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، تسير في خطى إعلان السمع والطاعة والتأييد والاخلاص للوبي الإسرائيلي.. ونعرف - في المقابل- أن هذه الوعود الانتخابية في كثير من الأحيان تتحطم على صخرة الواقع، فتتلاشى مع استلام الرئيس مقاليد الحكم، وإدراكه بمعادلات الواقع السياسي في المنطقة..

ولربما يظل السؤال: هل هذه الوعود مجرد طعوم يلتف من خلالها المرشح على قوى الضغط السياسي داخل المجتمع الأمريكي، أم أنها وعود تصبح ملزمة للمرشح بعد تسلمه إدارة الملفات السياسية على أرض الواقع.. والمؤكد أن إسرائيل تستفيد من هذه الوعود لتحفر أجندتها في عقول المرشحين وفي عقول الناخبين. ولا شك أن إسرائيل من عدة عقود وهي تحاول أن تكرس هذا المفهوم الاستيطاني لمدينة القدس، وبدءا باحتلالها ثم بحرقها، ثم بتهويدها وتسييسها، وأخيرا بإعلانها عاصمة لها.. ومع مرور الوقت تصبح هذه الأجندة أجندة واقعية قابلة للتطبيق على أرض الواقع وفق ظروف السياسات الأمريكية المتحركة دوما إلى المصالح الأمريكية.. وهذه هي بطبيعة الحالة الطريقة التي يعتمدها اللوبي الإعلامي والسياسي، فهو يبدأ بفكرة مثيرة جدلية غير ممكن تخيلها، ثم تواصل الطرق عليها وتكرارها وترويضها سياسيا إلى أن تصبح فكرة مألوفة تناولتها وسائل إعلام وأبواق السياسات المحلية والدولية بشكل منتظم، ثم يتحول النقاش إلى مفاوضات سياسية، وحسابات أخذ وعطاء بين الأطراف ذات العلاقة.. وأخيراً تصبح الفكرة قابلة للتطبيق على أرض الواقع بتعديلات شكلية.. هذه هي سياسات إسرائيل المعتادة.

والمهم أن العالم العربي والإسلامي يجب أن يفطن إلى هذه الحيل الصهيونية، فتبدأ عادة بفكرة، كما بدأت إسرائيل بفكرة ووعد، ثم انتقلت خلال عقود قصيرة إلى كيان سياسي معترف به.. وأخيرا.. اليوم أصبحت جزءاً من منظومة دول المنطقة، ولها الحل والفصل في قضايانا وحقوقنا العربية الفلسطينية.. فالوعود الانتخابية التي يطرحها المرشحون هي -في ظاهرها- أفكار ثائرة غير واقعية هذا اليوم.. ولكنها تصبح موضوعات وأولويات في السياسة الأمريكية في المستقبل المنظور.

المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6008 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد