Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/06/2008 G Issue 13050
السبت 17 جمادىالآخرة 1429   العدد  13050
تعقيباً على تعقيب الدكتور الجارالله
عبد العزيز السماري

كتبت مقالا في يوم السبت 5 جمادى الأولى 1429 هجرية بعنوان (الاختلاط والخلوة غير الشرعية وقانون العمل) تطرقت فيه للمطالبات التي تنادي أن ينص قانون العمل الجديد على منع الاختلاط في مجالات العمل.. وتبع ذلك سلسة برامج وحلقات فتاوى تؤكد تحريم الاختلاط..

....في يوم الجمعة 9 جمادى الآخرة 1429هجرية نُشر على صفحة عزيزتي الجزيرة رد مفصل من الأخ الفاضل الدكتور جمال بن صالح الجار الله يعقب فيه على بعض النقاط التي تناولتها في المقال المذكور أعلاه، ويؤكد فيه ان الاختلاط ليس محرماً بإطلاق كما أنه ليس جائزا بإطلاق،ولم يفصل في هذا الشأن الذي أجد فيد موقفاً مخالفاً نوعاً لما تم التصريح به من قبل بعض المفتين أثناء وبعد جولات الحوار الوطني الأخير.. كنت أنتظر في رده أن يتناول موضوع الاختلاط في المستشفيات والأسواق، وهل يدخل في الحرام المطلق أم أنه من الجائز غير المطلق حسب ما ورد في فتوى الدكتور الخلوق جمال الجار الله في تعقيبه الملتزم بأدب الحوار..

لم أخلط بين الاختلاط وبين الخلوة غير الشرعية، ولم أفت، وكان تساؤلي عن سبب عدم المطالبة على وجه التحديد أن ينص قانون العمل على منع الخلوة غير الشرعية في مجالات العمل في المجتمع..! والتي لا تحتاج حرمتها إلى فتوى، فالنص الشرعي فيها ثابت، بينما بالرغم من اختلاف العلماء في حرمة الاختلاط، سمعنا دعوات وفتاوى تطالب بأن ينص قانون العمل على منع الاختلاط...

جاء ذكر عمل السائق والعاملة المنزلية في المجتمع كمثال على الخلوة غير الشرعية في حياتنا العملية، والتي تحدث أحياناً بصورة يومية بين الأبناء والزوج والعاملة المنزلية، وبين الزوجة والعامل السائق في السيارة..ولا أعتقد أن في هذا الرأي مجازفة، فنسبة عالية من العائلات لديهم سائق وعاملة منزلية، ويمكن أن نتأكد من ذلك من خلال استفتاء عشوائي في مدينة الرياض.. وأعتقد أن سبب عدم المطالبة بأن ينص قانون العمل على منع الخلوة غير الشرعية في عمل السائق والعاملة المنزلية له علاقة إما بعدم وجود بديل مقبول من المفتين والمجتمع في حالة العاملة المنزلية، أو بالموقف من قيادة المرأة للسيارة في حالة السائق الأجنبي للعائلة..

عدم اكتراث المجتمع لبعض الفتاوي عندما تقتضي مصلحته غير ذلك واقع لا يمكن تجاوزه، فكثير من فتاوى التحريم تم تجاوزها، والأدلة على ذلك كثيرة، ومن أهمها على سبيل المثال تحريم الصور الفوتوغرافية، فالمجتمع والمفتون الجدد تجاوزوا ذلك، ولم نعد نسمع فتاوى تشدد على تحريمها، كذلك تحريم التلفزيون وأجهزة استقبال القنوات الفضائية تم تجاوزها.. يجب التفريق بين الحكم الشرعي الثابت وبين الفتاوى التي تحكم فيما لم يرد فيه نص شرعي ثابت، وما أعنيه أننا لا نحتاج إلى فتوى في حكم الصلاة أوتحريم الربا، ولكن نحتاج إلى فتاوى مدروسة من قبل مجمع فقهي في القضايا المستجدة.. أما لماذا لا يستجيب الناس لكثير من الفتاوى؟.. فذلك أمر قد يحتاج إلى دراسة من قبل مختصين في علوم الاجتماع.. وأيضاً من علماء الشريعة المختصين في الفتوى وأحكامها.. كذلك نحتاج إلى دراسة ظاهرة كثرة الفتاوى في شتى المسائل....!

نحتاج أيضاً إلى معرفة أثر الفتاوى على المجتمع أعني آثارها السلبية والإيجابية عليه.. ألم يفت علماء بتحريم تعليم النساء وهو الذي أدى إلى تأخر تعليمهن وتطور وعيهن في المجتمع.. كذلك فتاوى أسلمة القروض البنكية التي حرصت على أسلمة آلية القرض الربوي بدون تفريغه من محتواه المحرَم وهو منع الظلم الذي كان أحد أهم أسباب تحريم الربا، فالبنك الذي يبشر المؤمنين بأسلمة معاملاته يغتال مدخراتهم بفوائد أعلى بكثير من القرض الربوي داخل وخارج المملكة، ومع ذلك لم نسمع استدراكا أو تفصيلا في فتوى أسلمة القروض البنكية، أو استدراكا من بعض مفتين البنوك لتحريم النسب العالية للفوائد البنكية المؤسلمة آلياً، وهو ما أدى إلى اصطياد دخل المسلمين في شبكة البنوك..

تساؤلاتنا المشروعة يجب ألا تُفهم عني أنها إغفال لفضل علماء الشريعة، فقد كان لكثير منهم فضل لا يمكن اختزاله في هذه المقالة الموجزة، وكان لبعضهم أدوار رائدة في المحافظة على نقاء الدين، وعلى مصالح الناس في المجتمع، وكم أتمنى ألا نشكك في نوايا منْ يطرح تساؤلات مشروعة، وقد يُفهم غرض التشكيك في نوايا أصحاب الرأي على أنه نوع من أنواع الدفاع غير العقلاني الذي قد يفتقر للحجة، ولا أظن أخي الدكتور جمال من هذه الفئة، وما جاء في آخر سطور تعقيبه الذي يشكر عليه أحسبه من باب الحرص، وليس لغرض الاتهام بتهميش أو لمز العلماء حفظهم الله..

هل تتفق معي أخي الدكتور جمال أنه كان من عادةِ السَلَف الحذر من الفتيا :قال عبدالرحمن بن أبي ليلى: (أدركتُ عشرين ومئةً من الأنصارِ مِن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يُسأل أحدُهم عن المسألةِ، فيردُّها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجعَ إلى الأوَّلِ). وقال أيضًا: (لقد أدركتُ في هذا المسجدِ عشرين ومئةً من الأنصارِ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدٌ منهم يُحدِّثُ حديثًا إلا وَدَّ أن أخاه كَفاهُ الحديثَ، ولا يُسأل عن فُتيا إلا وَدَّ أن أخاه كَفاهُ الفتيا). وقال عطاء بن السائب: (أدركتُ أقوامًا إنْ كان أحدُهم لَيُسألُ عن الشيء، فيتكلَّم وإنه ليُرعَدُ).

روى الأعمش، عن أبي وائلٍ شَقيقِ بن سلمة ؛ قال: قال عبدالله بن مسعود: (من أفتى الناسَ في كلِّ ما يستفتونه، فهو مَجنونٌ)... حاشا علماءنا الأفاضل من الجنون فقد كانوا يفتون من خلال المجاميع الفقهية المعتمدة، لكن ما هو حال أولئك الذين يفتون على (الهواء) مباشرة في كل شيء يُسألون عنه عبر مكالمات عالية التكاليف يدفعها المتصلون من جيوبهم إلى القناة الفضائية التجارية، وهل ينطبق عليهم قول عبدالله بن مسعود..! أم أن الصحابي الجليل سيكون له رأي آخر لو عاش ليرى حال الفتاوى في عصور الرأسمالية.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6871 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد